للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى جاءت الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم فنفوا الصفات الاختيارية عن الله نفياً مطلقاً فلا يقوم بالرب - عندهم - شيء من الأمور الاختيارية، فلا يرضى على أحد بعد أن لم يكن راضياً عنه، ولا يغضب عليه بعد أن لم يكن غضبان، ولا يفرح بالتوبة بعد التوبة؛ ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، وأن الكلام قائم بذاته. ويجعلون هذه الأمور الاختيارية مخلوقاً منفصلاً عن الله - تعالى -.

وكان الناس بعد ظهور الجهمية والمعتزلة فريقين حتى ظهرت الكلابية ومن وافقهم كأبي الحسن الأشعري (١) وأبي العباس القلانسي (٢) ، ومن وافقهم من السالمية (٣)

وغيرهم، فأثبتوا بعض الصفات لكنهم لم يثبتوا الصفات الاختيارية التي تكون بمشيئة الله وقدرته، فالصفات التي أثبتوها هي قديمة بأعيانها لازمة لذات الله كالعلم والقدرة، وأما ما يكون بمشيئته وقدرته فلا يكون إلا مخلوقاً منفصلاً عنه، فلا تقوم الصفات الاختيارية - عندهم - بذات


(١) الأشعري: علي بن إسماعيل بن إسحاق الأشعري، ويتصل نسبه بالصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أبو الحسن، كان معتزلياً فترك الاعتزال ورد عليه حتى حشر المعتزلة في أقماع السمسم، ثم قال بقول الكلابية، وتفرد بآراء بعد ذلك، وينسب إليه مذهب الأشاعرة، من كتبه: مقالات الإسلاميين، ت سنة ٣٢٤هـ، وقيل غير ذلك.
انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان ٢/٤٤٦، طبقات الشافعية للسبكي ٣/٣٤٧.
(٢) القلانسي: أحمد بن عبد الرحمن بن خالد القلانسي الرازي، من معاصري أبي الحسن الأشعري، وهو موافق لاعتقاد الأشعري، ومن العلماء الكبار.
انظر في ترجمته: الملل والنحل للشهرستاني تحقيق بدران ١/٨٥، تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص٣٩٨.
(٣) السالمية: أتباع أبي عبد الله محمد بن سالم (ت٢٩٧هـ) ، وابنه أبي الحسن أحمد (ت٣٥٠هـ) وقد تتلمذ الأب على سهل التستري، ومن أشهر رجال السالمية: أبو طالب المكي (ت٣٨٦هـ) ويجمع السالمية في مذهبهم بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة، مع ميل إلى التشبيه، ونزعة صوفية.

انظر: اللمع للطوسي ص٤٧٢ - ٤٧٧، طبقات الصوفية للسلمي ص٤١٤ - ٤١٦، نشأة الفكر الفلسفي للنشار ١/٢٩٤ - ٢٩٦.

<<  <   >  >>