للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرب - جل وعلا (١) -.

ومنشأ الخلاف بين الكلابية ومن وافقهم وبين أهل السنة: في مسألة الخلق: هل هو المخلوق أم غيره؟ والفعل هل هو المفعول أم غيره؟

وقد ذكر الإمام البخاري (ت - ٢٥٦هـ) رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن نزاع الناس في أفعال الله اللازمة كالمجيء والإتيان والاستواء، والأفعال المتعدية كالخلق والإحسان والعدل ناشئ عن النزاع في هذه المسألة (٢) .

فالمأثور عن السلف أن الخلق غير المخلوق، وأن الفعل غير المفعول، فالفعل إنما هو إحداث الشيء، والمفعول هو الحدث، لقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام:٧٣] فالسماوات والأرض مفعول، وكل شيء سوى الله بقضائه فهو مفعول، فتخليق السماوات فعله؛ لأنه لا يمكن أن تقوم سماء بنفسها من غير فعل الفاعل، وإنما تنسب السماء إليه لحال فعله، ففعله من ربوبيته حيث يقول: {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢] .

والفعل صفة، والمفعول غيره، ويدل على هذا قول الله - تبارك وتعالى - {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: ٥١] ، ولم يرد بخلق السماوات نفسها، وقد ميز فعل السماوات عن السماوات، وكذلك فعل جملة الخلق.

قال البخاري (ت - ٢٥٦هـ) رحمه الله: (قال أهل العلم: التخليق فعل الله، وأفاعيلنا مخلوقة لقوله - تعالى -: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ


(١) انظر في عرض الأقوال عند ابن تيمية: رسالة في الصفات الاختيارية (ضمن جامع الرسائل ٢/٣ - ٤، ١٢) ، شرح حديث النزول ص٤٥٦ - ٤٥٧، الفرقان بين الحق والباطل ص٨٦، درء تعارض العقل والنقل ٢/١٤٧، وانظر في أقوال الناس على وجه التفصيل: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/٢٦٨، ودرء تعارض العقل والنقل ٢/١٨ - ٢٠.
(٢) انظر: خلق أفعال العباد للبخاري (ضمن عقائد السلف جمع النشار وطالبي ص٢٠٩ - ٢١٣) شرح حديث النزول لابن تيمية ص٤٠١.

<<  <   >  >>