للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (ت - ٦٥هـ) رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء» (١) ، فأخبر عن تقدير خلق هذا العالم، وأنه قبل أن تخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء.

وقد ناقش ابن تيمية رحمه الله المخالفين الذين يرون أن المقصود في حديث عمران رضي الله عنه (ت - ٥٢هـ) هو الإخبار عن أول المخلوقات مطلقاً بأجوبة عديدة منها:

١ - أن قول أهل اليمن: (جئناك لنسألك عن أول هذا الأمر) إما أن يكون الأمر المشار إليه هذا العالم، أو جنس المخلوقات.

فإن كان المراد: خلق العالم المشاهد فيكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أجابهم؛ لأنه أخبرهم عن أول خلق هذا العالم.

وإن كان المراد بالأمر جنس المخلوقات، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يجبهم في الحديث؛ ذلك أنه لم يذكر أول الخلق مطلقاً. بل قال: (كان الله ولا شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض) فلم يذكر إلا خلق السماوات والأرض، وإذا كان قد أجابهم عن خلق السماوات والأرض ولم يجبهم عن أول الخلق مطلقاً علم أنهم سألوه عما أجابهم. والرسول صلّى الله عليه وسلّم منزه عن أن يجيبهم عما لم يسألوه، ويترك إجابة ما سألوه عنه.

٢ - أن قولهم: (هذا الأمر) الإشارة إلى الحاضر المشهود، ولو سألوه عن أول الخلق مطلقاً لما أشاروا إليه بهذا، فإن ذاك لم يشهدوه، فلا يشيرون إليه بهذا، بل لم يعلموه أيضاً، فإن ذاك لا يعلم إلا بخبر الأنبياء، والرسول صلّى الله عليه وسلّم


(١) سبق تخريجه ص٢٢٨.

<<  <   >  >>