للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يخبرهم بذلك، فلو كان أخبرهم به لما سألوه عنه، فعلم أن سؤالهم كان عن أول هذا العالم المشهود.

٣ - أن الثابت عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: (كان الله ولم يكن شيء قبله) - كما سبق بيانه - وإذا كان إنما قال هذا اللفظ: فلم يكن فيه تعرض لابتداء الحوادث، ولا لأول مخلوق.

٤ - أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السماوات والأرض» . فلم يذكر في الجمل الثلاث الأول ترتيباً، لكنه رتب الجملة الرابعة بـ (ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي على ما قبلها من الجمل.

وعليه: فلا يفيد الحديث بيان أول المخلوقات مطلقاً، بل ولا فيه الإخبار بخلق العرش والماء، وإن كان ذلك كله مخلوقاً، لكن القصد هو إخبار أهل اليمن عن بدء خلق السماوات والأرض وما بينهما، وهي المخلوقات التي خلقت في ستة أيام، لا ابتداء ما خلقه الله قبل ذلك.

٥ - أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حين أخبر عن العرش والماء والكتابة: أخبر عن كونها ووجودها، ولم يتعرض لابتداء خلقها، ولما ذكر السماوات والأرض أخبر بما يدل على خلقها، وسواء أكان قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (وخلق السماوات والأرض) أم (ثم خلق السماوات والأرض) فعلى التقديرين يكون قد أخبر بخلقهما، فلم يكن المقصود الإخبار بخلق العرش ولا الماء، فضلاً عن أن يقصد أن خلق ذلك كان مقارناً لخلق السماوات والأرض.

٦ - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لو كان قال: (ولم يكن شيء معه) فليس فيه ما يدل على ذكر أول المخلوقات وترتيبها، بل المقصود: أنه لا شيء معه من هذا الأمر المسؤول عنه، وهم سألوه عن أول الأمر، وسياق الحديث يدل على أنه أخبرهم بأول هذا العالم الذي خلق في ستة أيام، ولم يخبرهم بما قبل ذلك (١) .


(١) انظر: الصفدية لابن تيمية ٢/٢٢٤ - ٢٢٥، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/٢١٩.

<<  <   >  >>