للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سواه فهو حادث بعد أن لم يكن حادثاً، ولا يلزم أن يكون نفس كماله الذي يستحق متجدداً، بل لم يزل عالماً قادراً مالكاً غفوراً متكلماً كما شاء، كما نطق بهذه الألفاظ ونحوها الإمام أحمد (ت - ٢٤١هـ) وغيره من أئمة السلف (١) . وذكر أن أكثر أهل الحديث ومن وافقهم لا يجعلون النوع حادثاً، بل قديماً، ويفرقون بين حدوث النوع، وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم أهل الجنة يدوم نوعه، ولا يدوم كل واحد من الأعيان الفانية.

ومن الأعيان الحادثة ما لا يفنى بعد حدوثه كأرواح الآدميين، فإنها مبدعة، كانت بعد أن لم تكن، ومع هذا فهي باقية دائمة (٢) .

والقول بقدم النوع لا ينفيه شرع ولا عقل، بل هو من لوازم كماله، كما قال - سبحانه - {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: ١٧] . والخلق لا يزالون معه، وليس في كونهم لا يزالون معه في المستقبل ما ينافي كماله، والعقل يفرق بين كون الفاعل يفعل شيئاً بعد شيء دائماً، وبين آحاد الفعل والكلام، فيقول: كل واحد من أفعاله لا بد أن يكون مسبوقاً بالفاعل وأن يكون مسبوقاً بالعدم، ويمتنع كون الفعل المعين مع الفاعل أزلاً وأبداً.

وأما كون الفاعل لم يزل يفعل فعلاً بعد فعل فهذا من كمال الفاعل (٣) ، والحادث إذا حدث بعد أن لم يكن محدثاً، فلا بد أن يكون ممكناً، والإمكان ليس له وقت محدود، فما من وقت يُقدر إلا والإمكان ثابت قبله، فليس لإمكان الفعل وجواز ذلك وصحته مبدأ ينتهي إليه، فيجب أنه لم يزل الفعل ممكناً جائزاً صحيحاً، فيلزم أنه لم يزل الرب قادراً عليه، فيلزم جواز حوادث لا نهاية لأولها (٤) . ولا يلزم من دوام النوع دوام كل واحد من أعيانه


(١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/٢٤٠، الصفدية له ١/٦٥.
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل ٢/١٤٨.
(٣) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/٢٢٧، ٢٣٩.
(٤) انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية ١/١٥٩.

<<  <   >  >>