للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الاحتمال الثالث وهو جواز الأمرين فهو باطل؛ لأنه يجعل وجود المفعول ممكنا، والممكن لا يترجح أحد طرفيه إلا بمرجح، والقول في المرجح كالقول في غيره إذ لا يخلو من الأقسام الثلاثة المذكورة.

فتبين أن العالم لو كان قديماً للزم أن يكون مبدعه مستلزماً له، ووجود المؤثر التام في الأزل ممتنع، ذلك أن أثره إن كان خالياً من الحوادث لزم أن لا يكون في العالم شيء من الحوادث، وهذا خلاف الحس.

وأما إن كان أثره متضمناً للحوادث، فهذا ممتنع؛ لأنه يلزم منه صدور ما فيه الحوادث عما لا حوادث فيه، فالحوادث هي - أيضاً - من الصادر عنه.

وفي الجملة: فقدم العالم لا يكون إلا مع كون المبدع واجباً بذاته (١) ، وصدور الحوادث عن الموجب بذاته ممتنع، فصدور العالم عن الموجب بذاته ممتنع، فقدم العالم ممتنع (٢)

وقول الفلاسفة في قدم العالم باطل من وجوه كثيرة منها:

١ - أن عمدة رأي الفلاسفة في قدم العالم هو امتناع حدوث الحوادث بلا سبب حادث، فيمتنع تقدير ذات معطلة عن الفعل لم تفعل، ثم فعلت من غير حدوث سبب. وهذا لا يدل على قدم العالم ولا قدم شيء منه، وإنما يدل على قدم نوع الفعل، وأن الله لا زال فعالاً (٣) .

٢ - أن يقال: دوام الحوادث في الماضي: إما أن يكون ممتنعاً، وإما أن يكون ممكناً، فلو كان ممتنعاً بطل قولهم، وعلم أن الحوادث لها ابتداء.

وإن كان ممكناً: أمكن أن تكون هذه الأفلاك حادثة مسبوقة بحوادث


(١) الموجب بذاته: هو الذي يكون وجوده من ذاته، لا يحتاج إلى شيء أصلاً، وهو الموجود الذي يمتنع عدمه امتناعاً تاماً، وليس الوجود له من غيره، بل من ذاته.
انظر: المعجم الفلسفي لجميل صليبا ٢/٥٤١ - ٥٤٢.
(٢) انظر: الصفدية لابن تيمية ١/٢٧، ٧٥ - ٧٧.
(٣) انظر: منهاج السنة لابن تيمية ١/١٤٨ - ١٤٩، الصفدية له ١/١٣٢.

<<  <   >  >>