للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن اختلف العلماء بعد ذلك: هل نسخ هذا التحريم أم لا؟

فقيل لم ينسخ - كما سبق -، وقال آخرون: بل نسخ ذلك، واختلف هؤلاء هل نسخ إلى الندب أم إلى الإباحة؟

فقال قوم: إنما نسخ إلى الإباحة، وقال قوم: نسخ إلى الاستحباب (١) .

وبين أن الأقوال الثلاثة صحيحة باعتبار:

فالزيارة إذا تضمنت أمراً محرماً من شرك أو كذب أو ندب أو نياحة: فهذه زيارة محرمة.

وأما إن كانت الزيارة لمجرد الحزن على الميت، لقرابته أو صداقته: فهي مباحة، وهذا كزيارة قبر الكافر فرخص فيها؛ لأجل تذكر الآخرة، لا للدعاء له والاستغفار له.

قال الله عزّ وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: ١١٣] .

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله وقال: «استأذنت ربي في أن أزور قبرها فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» (٢) .

وأما إن كانت الزيارة لقبور المؤمنين للدعاء للموتى كالصلاة على الجنازة: فهذا مستحب قد دلت السنة عليه (٣) .

ويقسم ابن تيمية رحمه الله الزيارة - في مواضع أخرى - إلى قسمين؛ زيارة شرعية، وزيارة بدعية، ومرد هذا الاختلاف إنما هو التنوع في التقسيم


(١) انظر: الجواب الباهر ص٤٤، قاعدة عظيمة ص٦٣.
(٢) سبق تخريجه ص٣٠٦ من هذا البحث.
(٣) انظر: الجواب الباهر ص٤٥ - ٤٦، قاعدة عظيمة ص٦٣، ٦٦، الرد على الأخنائي ص٨٣.

<<  <   >  >>