والقول الثاني: المنع من إتيان القبر، والاكتفاء بالصلاة والسلام عليه في المسجد (١) .
وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله الخلاف بين أهل العلم حين السلام على الرسول صلّى الله عليه وسلّم عند القبر، وعلى صاحبيه، هل يستقبل القبر، أم يستقبل القبلة؟
فقال الأئمة الثلاثة مالك (ت - ١٧٩هـ) ، والشافعي (ت - ٢٠٤هـ) ، وأحمد (ت - ٢٤١هـ) ، رحمهم الله إنه يستقبل القبر، ويستدبر القبلة، فيسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم من تلقاء وجهه، ثم ينحرف قليلاً فيسلم على أبي بكر (ت - ١٣هـ) ثم ينحرف قليلاً ويسلم على عمر (ت - ٢٣هـ) رضي الله عنهما، وهذا فعل أكثر الصحابة.
وأما مذهب أبي حنيفة (ت - ١٥٠هـ) رحمه الله فإن المسلم على الرسول صلّى الله عليه وسلّم يستدبر الحجرة، وقيل يجعلها عن يساره (٢) .
وأما وقت الدعاء فإنه يستقبل القبلة اتفاقاً، وكان مالك (ت - ١٧٩هـ) رحمه الله من أعظم الأئمة كراهية لذلك.
وأما الحكاية التي تذكر عنه أنه قال للمنصور (٣) لما سأله عن استقبال الحجرة بالدعاء فأمره بذلك، وقال: (هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم) ، فهذه كما يذكر ابن تيمية رحمه الله كذب على مالك ليس لها إسناد معروف، وهو خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه (٤) .
وأما قصد القبر ليدعو الزائر لنفسه، فهذا بدعة، لم يكن أحد من الصحابة يقف عند قبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليدعو لنفسه.
(١) انظر: قاعدة عظيمة ٥٨، ٨٨، الرد على الأخنائي ص١٧.
(٢) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٦/١٤٦ - ١٤٧، قاعدة جليلة ص٢٩٣، قاعدة عظيمة ص٦١، ٨٩، الرد على الأخنائي ١٩٠.
(٣) المنصور: عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي، أبو جعفر المنصور، الخليفة العباسي، ذو هيبة وشجاعة ودهاء، له مشاركة حسنة في الفقه والعلم، ت سنة ١٥٨هـ.
انظر في ترجمته: فوات الوفيات للكتبي ٢/٢١٦، الكامل لابن الأثير ٥/١٧٢.
(٤) انظر: قاعدة جليلة ص٢٩٤، مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٦/١٤٧، ٢٧/١١٨، وانظر: الحكاية في الشفاء للقاضي عياض ضمن شرحيه ٣/٣٩٧ - ٣٩٨.