للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما جعل جنس الزيارة مستحباً بالإجماع فهذا باطل؛ لأنهم لم يفرقوا ويفصلوا بين المشروع والمحرم، فالزيارة بعضها مشروع، وبعضها محرم بالإجماع، والمخالفون لابن تيمية رحمه الله أنكروا هذا التفصيل، وهذا مخالف للإجماع، والحكم به باطل بالإجماع.

وأما حكاية الإجماع على جواز السفر لزيارة القبر فهذا ليس بصحيح، بل فيه نزاع مشهور، ودعوى الإجماع باطلة ما لم تثبت بنقل صحيح، وبتتبع واستقراء لأقوال العلماء المجتهدين.

وإذا كان هذا الأمر لا إجماع فيه فهو مما تنازع فيه العلماء، وما تنازع فيه العلماء يجب رده إلى الله والرسول إجماعاً، قال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] .

وأيضاً: فإن الأمور المتنازع فيها بين العلماء المجتهدين لا يصح لأحد من القضاة أن يفصل النزاع فيها بحكم، وقوله كقول آحاد العلماء إن كان عالماً، وأما إن كان مقلداً كان بمنزلة العامة المقلدين (١) .

وأما الاحتجاج بالقياس على جواز زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم بجواز زيارة قبر غيره، فهذا لا ينكره أحد، حتى ابن تيمية رحمه الله لم يحرم زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم لمن كان في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن نقل عنه خلاف ذلك فهو باطل، والحكم المرتب على النقل الباطل باطل بالإجماع (٢) .

وأما تخريجات المناوئين لابن تيمية كراهة الإمام مالك (ت - ١٧٩هـ) لفظة (الزيارة) في قول الناس: زرت قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقد ذكر ابن تيمية تخريجات الناس لهذه الكراهة (٣) .

ورجح ثلاثة احتمالات:


(١) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٧/٢٩٦.
(٢) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٧/٢٩٣.
(٣) انظر: قاعدة عظيمة لابن تيمية ص٦١، ٧١.

<<  <   >  >>