للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرجح رحمه الله في تقدير الاستثناء المفرغ في الحديث لفظ (مكان) فيكون معنى الحديث:

لا تشد الرحال إلى مكان إلا إلى ثلاثة مساجد، ومن ظن أن هذا التخريج يلزم منه النهي عن السفر لطلب علم أو تجارة أو غير ذلك، فهو ظن خاطئ، ولا يلزم من ذلك التقدير هذا اللازم، قال رحمه الله:

(أما السفر لتجارة، أو جهاد، أو طلب علم، أو زيارة أخ في الله، أو صلة رحم، أو نحو ذلك، فإنها لم تدخل في الحديث؛ لأن تلك لا يقصد فيها مكان معين، بل المقصود ذلك المطلوب حيث كان صاحبه، ولهذا لم يفهم أحد من هذا هذه الأمور) (١) .

وأجاب رحمه الله عن الشبهة القائلة بأن زيارة قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ميتاً، كزيارته في حياته، وقد استدل أصحابها بحديث الذي سافر لزيارة أخ له في الله وهو قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها (٢) ، قال: لا غير أني أحببته في الله عزّ وجل، فقال: فإني رسول الله إليك، فإن الله أحبك كما أحببته فيه» (٣) .

وبين رحمه الله أن زيارة الأخ في الله الحي - كما في الحديث - نظير زيارة النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، وذلك بزيارة أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم له حال حياته.

وأما قياس زيارة القبر كزيارته حياً فهذا لم يقل به أحد من علماء المسلمين، وهذا من أفسد القياس، فمن المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته، وسماع كلامه، ومخاطبته، وسؤاله، وجوابه وغير ذلك ما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه.


(١) قاعدة عظيمة ص١٠٠.
(٢) أي تحفظها وتراعيها وتربيها انظر: لسان العرب لابن منظور ١/٤١١ مادة (ربب) .
(٣) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ٤/١٩٨٨ كتاب البر والصلة، باب فضل الحب في الله، وأحمد في مسنده ٢/٤٦٢ من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>