للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس رؤية القبر أو ظاهر جدار الحجرة بمنزلة رؤية الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه صلّى الله عليه وسلّم، وهذا من أبطل الباطل.

وأما السفر إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته فهو:

إما أن يكون لما كانت الهجرة إليه واجبة كالسفر قبل الفتح، فيكون المسافر إليه مسافر للمقام عنده بالمدينة، وهذا السفر انقطع بفتح مكة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» (١) .

وإما أن يكون المسافر إليه وافداً إليه ليسلم عليه، ويتعلم منه ما يبلغه قومه كالوفود الذين كانوا يفدون إليه صلّى الله عليه وسلّم في السنة العاشرة من الهجرة، وقد أوصى صلّى الله عليه وسلّم في مرضه قبل أن يموت بثلاث فقال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم» (٢) ، وكان السفر إليه في حياته لتعلم الدين، ولمشاهدته وسماع كلامه صلّى الله عليه وسلّم.

ومعلوم أنه صلّى الله عليه وسلّم لو كان حياً في المسجد لكان قصده في المسجد من أفضل العبادات، وأما قصد القبر بالسفر: فليس عند قبره صلّى الله عليه وسلّم مصلحة من مصالح الدين، وقربة إلى رب العالمين إلا وهي مشروعة في جميع البقاع، فلا ينبغي أن يكون المسافر للزيارة غير معظم للرسول صلّى الله عليه وسلّم التعظيم التام، والمحبة التامة إلا عند قبره، بل هو مأمور بهذا في كل مكان، فكانت زيارته في حياته مصلحة راجحة لا مفسدة فيها، والسفر إلى القبر لمجرده مفسدة راجحة لا


(١) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ٦/٣ كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، ومسلم في صحيحه ٣/١٤٨٧ - ١٤٨٨، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة واللفظ له، والترمذي في سننه ٤/١٤٨، كتاب السير، باب ما جاء في الهجرة.
(٢) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ٣/١٣٨٨ كتاب الجهاد، والسير، باب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، والترمذي في سننه ٤/١٥٦، كتاب السير، باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى، وأبو داود في سننه ٣/٤٢٤ كتاب الخراج، باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب.

<<  <   >  >>