للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد معرفتنا أن الأنبياء يموتون، وأن أحكام الدنيا لا يقومون بها بعد موتهم.

إن الحديث عن البرزخ من علم الغيب، والحديث عن تفصيلات تعلق الروح بالبدن في البرزخ هو من علم الغيب - أيضاً -، ما لم يرد نص صحيح صريح يبين هذه التفصيلات ويذكرها لنا، وإلا فالتوقف هو المنهج السوي، ورد العلم إلى عالمه أسلم وأعلم وأحكم.

لكن أهل العلم ذكروا أن للروح مع البدن تعلقات بحسب أحوالها:

أحدها: تعلق الروح بالبدن في بطن الأم للجنين.

الثاني: تعلق الروح بالبدن بعد خروجه إلى وجه الأرض مستيقظاً.

الثالث: تعلق الروح بالبدن في حال النوم، فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه.

الرابع: تعلق الروح بالبدن في البرزخ - وهذا ما نحن نبحث فيه -، فإن الروح إذا فارقت البدن بالموت وتجردت عنه، فإنها لا تفارقه فراقاً كلياً بحيث لا يبقى لها التفات إليه ألبتة، بل الأحاديث والآثار تدل على أن الميت ترد روحه وقت سلام المسلم عليه، وهذا الرد إعادة خاصة، لا يوجب حياة البدن إلى يوم القيامة.

وحياة الشهداء في هذه المرحلة أكمل من حياة غيرهم من سائر المؤمنين، وحياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء.

الخامس: تعلق الروح بالبدن يوم البعث، وهذا أكمل أنواع تعلق الروح بالبدن، فهو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً (١) .

فأرواح الأنبياء في البرزخ في أعلى عليين، وهم متفاوتون في منازلهم في العلو، إلا أن أرواحهم لها تعلق بأجسادهم وأبدانهم، فترد إليها إذا سلم عليهم


(١) انظر: الروح لابن القيم ص٦٧، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز ٢/٥٧٨ - ٥٧٩.

<<  <   >  >>