للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم بيّن رحمه الله السبب في تسرع بعض الناس إذا وجد قولاً أو قولين حكم بالإجماع بأنه ناتج عن الظن الفاسد، والجهل بأقوال أهل العلم، مما ينتج عنه عدم معرفة مظان الإجماع فيقول: (لكن من لم يعرف أقوال العلماء قد يظن الإجماع من عدم علمه النزاع، وهو مخطيء في هذا الظن لا مصيب، ومن علم حجة على من لم يعلم، والمثبت مقدم على النافي) (١) .

وإذا ادعى مدع أن غيره خالف الإجماع فلا يقبل قوله إلا إذا كان ممن يعرف الإجماع والنزاع، وهذا يحتاج إلى علم عظيم يظهر به ذلك؛ لأن دعوى الإجماع من علم خاصة العلماء الذي لا يمكن الجزم فيه بأقوال العلماء، وغاية الأمر أن مدعي الإجماع لا يعلم منازعاً في المسألة، لا أنه يجزم بنفي المنازع؛ لأن عدم العلم لا يعني العلم بالعدم (٢) .

ومن زعم أن ابن تيمية رحمه الله قد خالف الإجماع، فإن هذه الدعوى تقلب عليه لينقلب مدحوراً، فيطالب بدليل واحد من القرآن يبيح ما أفتى ابن تيمية بحرمته، أو بدليل من السنة، أو بقول أحد من الصحابة، أو التابعين، أو المشهود لهم بالعلم والتقى والاعتقاد الحق من سلف الأمة، ولن يجدوا حتى يلج الجمل في سم الخياط، فلم يخالف ابن تيمية رحمه الله إلا أهواء المبتدعة، وتحريفهم لمعاني نصوص الكتاب والسنة، وأغاليطهم على سلف الأمة.

فالإجماع على خلاف ما ذكروه، كما يقول رحمه الله: (ثم سلف الأمة، وأئمتها، وعلماؤها إلى هذا التاريخ سلكوا سبيل الصحابة في التوسل في الاستسقاء بالأحياء الصالحين الحاضرين، ولم يذكر أحد منهم في ذلك التوسل بالأموات، لا من الرسل ولا من الأنبياء، ولا من الصالحين.

فمن ادعى أنه علم هذه التسوية التي جهلها علماء الإسلام، وسلف الأمة، وخيار الأمم، وكفّر من أنكرها، وضلله: فالله تعالى هو الذي يجازيه


(١) الرد على الأخنائي ص١٩٥.
(٢) انظر: الرد على الأخنائي لابن تيمية ١٩٤ - ١٩٥.

<<  <   >  >>