للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما المنع من التوسل بالذات فسببه: أن الذات ليست سبباً ولا وسيلة لإجابة الدعاء، فتوسلنا بها لا ينفع؛ لأنها ليست وسيلة مشروعة لإجابته، يقول ابن تيمية رحمه الله: (وأما إذا لم نتوسل إليه - سبحانه - بدعائهم ولا بأعمالنا، ولكن توسلنا بنفس ذواتهم: لم تكن ذواتهم سبباً يقتضي إجابة دعائنا، فكنا متوسلين بغير وسيلة، ولهذا لم يكن هذا منقولاً عن النبي صلّى الله عليه وسلّم نقلاً صحيحاً، ولا مشهوراً عن السلف) (١) .

وأما حديث الضرير: فهو حديث صحيح (٢) ، لكن النقاش في دلالة الحديث: فليس فيه ما يريدون تقريره من جواز التوسل بجاه الموتى وذواتهم، وذلك يتضح بأمور منها:

١ - أن الحديث فيه التوسل بدعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته، ذلك أن الأعمى جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وطلب منه الدعاء بقوله: (ادع الله أن يعافيني) ، فطلب الأعمى هو دعاء الرسول له؛ لأنه يعلم أن دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم أرجى للقبول.

٢ - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم فهم من الأعمى أنه يطلب الدعاء، ولذا خيره بين أن يدعو له، أو أن يصبر، فاختار الدعاء، خلافاً للمرأة التي بها مس، فخيرها النبي صلّى الله عليه وسلّم بين أن يدعو لها، أو أن تصبر: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت لك.

فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف) (٣) .

٣ - أن الأعمى أصر على طلبه وقال: (بل ادع) وهذا ما يؤكد أنه توسل بدعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته.


(١) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص٢٧٥، وانظر ص١٣١، الفتاوى الكبرى ٤/٣٦٥.
(٢) انظر: الرد على البكري ص١٣٠، وصححه الألباني في التوسل ص٧٥ - ٧٦.
(٣) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرض، حديث ٥٦٥٢ واللفظ له، ومسلم في صحيحه ٢/٦٣٧ كتاب الجنائز، باب الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى.

<<  <   >  >>