للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يأتيهم الجواب الذي يزيدهم في العذاب، ويخبرهم بالبقاء في النار والمكوث فيها، فيلجأ الكفار مستغيثين بربهم {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: ١٠٧] ، - فيرد عليهم - رب العزة والجلال - {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨] (١) .

وقال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلْطَّاغِينَ مَآباً * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ: ٢١ - ٢٣] ، أي أن النار موضع أهل الكفر، وهي مآلهم ومرجعهم، فإذا دخلوا فيها لا يخرجون منها، فهم لا بثون مقيمون فيها أبداً.

وذكر المفسرون لهذه الآيات معنيين:

المعنى الأول: أن الأحقاب مُدَدٌ طويلة، وآجال متعددة لا تنقطع، ولا نهاية لها، قال الماوردي (ت - ٤٥٠هـ) رحمه الله: (كلما مضى حقب جاء حقب، وكذلك إلى الأبد) (٢)

وقال القرطبي (ت - ٦٧١هـ) رحمه الله في كلام طويل له: (ماكثين في النار ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، فكلما مضى حقب جاء حقب.. والمعنى في الآية: لابثين فيها أحقاب الآخرة التي لا نهاية لها.. وذكر الأحقاب لأن الحُقُب كان أبعد شيء عندهم، فتكلم بما تذهب إليه أذهانهم ويعرفونها، وهي كناية عن التأبيد، أي يمكثون فيها أبداً.. وإنما المعنى - والله أعلم - ما ذكرناه أولاً: أي لابثين فيها أزماناً ودهوراً، كلما مضى زمن يعقبة زمن، ودهر يعقبه دهر، هكذا أبد الآبدين من غير انقطاع) (٣) ، وقال القاسمي (٤) رحمه الله: (أي


(١) انظر: معالم التنزيل للبغوي ٤/١٤٦، تفسير كلام المنان للسعدي ٦/٦٦٢.
(٢) النكت والعيون ٦/١٨٦.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٩/١٧٧، وانظر: معالم التنزيل للبغوي ٤/٤٣٨.
(٤) القاسمي: جمال الدين بن محمد بن سعيد بن قاسم الحلاق، إمام الشام في عصره، علماً بالدين، وتضلعاً في فنون الأدب، كان سلفي العقيدة، انقطع في آخر حياته للتأليف وإلقاء الدروس، ت سنة ١٣٣٢هـ.
انظر في ترجمته: الأعلام للزركلي ٢/١٣١.

<<  <   >  >>