للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دهوراً متتابعة إلى غير نهاية) (١) .

وأما المعنى الثاني فهو: أنهم يلبثون أحقاباً ومدداً طويلة على نوع من العذاب، ثم يحدث الله لهم أنواعاً أخرى من العذاب، ويميل إلى هذا الإمام الطبري (ت - ٣١٠هـ) رحمه الله إذ يقول: (يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقاباً في هذا النوع من العذاب أنهم: {لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلَا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ: ٢٤ - ٢٥] ، فإذا انقضت تلك الأحقاب صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال - جل ثناؤه - في كتابه: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} [ص~: ٥٥ - ٥٨] ، وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية) (٢) ، وقال الشوكاني (ت - ١٢٥٠هـ) رحمه الله: (الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب) (٣) . وكلا المعنيين يدل على التأبيد والخلود، فلا انقضاء لعذابهم، ولا يخفف عنهم من عذابها. نسأل الله السلامة والعافية.

والآيات في إثبات خلود أهل النار في النار، وأنهم لا يخرجون منها كثيرة جداً - غير ما ذكرت - فمنها قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٣٩] ، وقال - سبحانه -: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٨١] ، ومنها قوله - تبارك وتعالى -: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢١٧] ، وقال عزّ وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ


(١) محاسن التأويل ١٧/٦٠٣٧، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٧/١٩٩، فتح القدير للشوكاني ٥/٣٦٦.
(٢) جامع البيان ١٢/٤٠٥.
(٣) فتح القدير ٥/٣٦٦، وللمفسرين أقوال أخرى حول هذه الآية، لكنها ضعيفة، انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٩/١٧٩، فتح القدير للشوكاني ٥/٣٦٦.

<<  <   >  >>