للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد امتحن رحمه الله، لأجل تأليفه (العقيدة الحموية) ، وتحزب عليه أهل الكلام من المبتدعة، وذلك سنة (٦٩٨هـ) (١) ، ويذكر ابن عبد الهادي (ت - ٧٤٤هـ) رحمه الله ما كان يعمله أهل الكلام من إيغار الصدور على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بسبب العقيدة الحموية، فيقول: (فأخذوا الجواب الذي كتبه، وعملوا عليه أوراقاً في رده، ثم سعوا السعي الشديد إلى القضاة والفقهاء، واحداً واحداً، وأوغروا خواطرهم، وحرفوا الكلام، وكذبوا الكذب الفاحش، وجعلوه يقول بالتجسيم - حاشا من ذلك - وأنه قد أوعز ذلك المذهب إلى أصحابه، وأن العوام قد فسدت عقائدهم بذلك، ولم يقع من ذلك شيء، والعياذ بالله، وسعوا في ذلك سعياً شديداً) (٢) .

ثم طلب قاضي الحنفية من شيخ الإسلام أن يأتي إليه، فقال له ابن تيمية رحمه الله إن العقائد ليس أمرها إليك، وإن السلطان إنما ولاك لتحكم بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي، ففرح أهل الضلال بهذا الجواب، فأوغروا صدر قاضي الحنفية حتى تم لهم ما يريدون، فأمر القاضي أن ينادي في البلد ببطلان عقيدة ابن تيمية، فنودي في بعض البلد، وما إن علم والي البلد بذلك حتى هب لنصرة ابن تيمية رحمه الله فأرسل طائفة، فضربوا المنادي، ومن كان معه، وأمر بمتابعة من كان يسعى في هذه الفتنة، وقد كان مغضباً من عملهم هذا، ويريد الانتقام منهم، فاختفى أكثرهم، واحتمى الآخرون ببعض كبار وأعيان البلد، ثم إن ابن تيمية رحمه الله جلس على عادته يوم الجمعة في الدرس، وكان تفسيره في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] ، فذكر الحلم، وما ينبغي استعماله، فكان ميعاداً جليلاً.

ثم اجتمع شيخ الإسلام رحمه الله بقاضي الشافعية، وقرأ معه العقيدة الحموية، وأوضح ما أشكل على القاضي من بعض المواضع، فلم يحصل


(١) انظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي ص١٩٨، البداية والنهاية لابن كثير ١٤/٤.
(٢) انظر: العقود الدرية لابن عبد الهادي ص٢٠٠.

<<  <   >  >>