للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحبه ولا حصل بسبب ذلك تغير منا، ولا بغض، بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين، أرفع قدراً، وأنبه ذكراً، وأحب وأعظم، وإنما هذه الأمور هي من صالح المؤمنين، التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإن المؤمن للمؤمن كاليدين، تغسل إحداهما الأخرى) (١) .

وقد كان رحمه الله يملك تصوراً عجيباً عن الفرق، ومذاهب الرجال، والفروقات بين مذاهبهم، وهذا يدل على أنه إذا تكلم في مسألة عند فرقة فإنما يتحدث بها، وهو عالم بها، مدرك لمعناها، بل هو - أيضاً - يعرف لوازم قول المخالف أكثر من المخالف نفسه، حتى إنه يظهر تناقضات القول الواحد في نفسه مما لم يتنبه له صاحب القول (٢) .

وقد كانت مصادره رحمه الله في معرفة أقوال المخالفين له مصادر موثوقة، عالية الإسناد، فمصادره تكون: إما بقراءة كتبهم، وإما بملاقاتهم ومناظرتهم، وإما عن طريق أقوال الثقات عنده عنهم (٣) .

ويهمنا في هذا المطلب: بيان إنصاف ابن تيمية رحمه الله لخصومه، وعدم ظلمهم، لا في فعل، ولا قول، ولا كتابة: فمن أبرز ما تجلى: إنصافه يوم لقياه الملك الناصر (ت - ٧٤١هـ) وطلب الملك منه أن يفتي في قتل بعض حساده من الفقهاء، والقضاة، وأمْر ابن تيمية له بالعدول عن ذلك (٤) .

وقد كان رحمه الله يطلب إقامة المناظرة: بياناً للحق، وإقامة للحجة، فيستعفي الخصم بلفظ أو بخط (٥) ، فلم يطلب حظاً لنفسه ولا نفعاً، بل كان


(١) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/٥٣.
(٢) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢/٥٤، ٥٧، ٥٨، ٩٢، ١٠٦، ١٧٥، ٢٤٣، ٣٧٩، ٤٧١، ٤٧٦، ٤/١٨، ٦/٥١، ١٧/٤٤٦، ٢٠/٣٠١ - ٣٢٠، وغيرها.
(٣) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١١/٤٦٩، ١٨/٥٧، درء تعارض العقل والنقل ٥/٦١، ٣١٧، ٣٢٣.
(٤) انظر: البداية والنهاية لابن كثير ١٤/٥٤.
(٥) انظر: الفتاوى الكبرى لابن تيمية ٥/٢١.

<<  <   >  >>