للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعفو عمن ظلمه، وكان قصده بيان الحق، وإن أدى ذلك إلى ظلم الناس له، وهضمهم بعض حقه.

قال رحمه الله: (على أي شيء أخاف: إن قتلت كنت من أفضل الشهداء ... ) (١) .

وقال: (هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنه وإن تعدى حدود الله فيّ بتكفير، أو تفسيق، أو افتراء، أو عصبية جاهلية: فأنا لا أتعدى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتماً بالكتاب الذي أنزله الله، وجعله هدى للناس، حاكماً فيما اختلفوا فيه ... ) (٢) .

وقد كان رحمه الله حريصاً على تأليف القلوب، وجمعها على الحق، لا أن تتفرق وتختلف، أو أن تجتمع على منكر وضلالة، قال رحمه الله: (والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومناظرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلباً لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله) (٣) .

ومن إنصافه رحمه الله لخصومه أنه يناقشهم في المصطلحات حسب فهمهم لها، ثم يبين هذا الفهم هل هو صواب أم لا؟، ويستدل على قوله وحجته بأقوال المختصين في الفن، فإذا بحث مسألة في التفسير نقل عن أئمة التفسير، وإذا بحث مسألة في الفقه ذكر أقوال الفقهاء، وكذلك الأمر في بقية العلوم الشرعية، وأما إذا وافق خصمه الحق فإنه رحمه الله يوافقه عى ذلك ويؤيده ويثني على الحق الذي عنده، وإذا احتاج الأمر إلى تفصيل فإنه يفصل بأن يقول في كلام المخالف: قوله في هذه المسألة صواب، وأما قوله في المسألة الأخرى فخطأ (٤) ، ويصف بعض مناوئيه بأن فيهم نوع دين مع نوع جهل كما قال ذلك


(١) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/٢١٥، ٢٥٩.
(٢) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/٢٤٥.
(٣) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/٢٢٧، ٦/٤٨٥، ٥٠٢، ٥٠٣، ٥٠٦.
(٤) انظر: درء تعارض العقل والنقل ٦/٢٣، ٤٣، ١٥١.

<<  <   >  >>