للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الأخنائي (ت - ٧٦٣هـ) الذي أساء الأدب مع شيخ الإسلام، ورد عليه بألفاظ نابية، ومع ذلك كان رحمه الله عادلاً معه في الحكم (١) .

ويعمم الحكم، والكلام المنصف على جميع من تكلم فيهم من علماء الإسلام، فذكر رحمه الله أنه ما منهم إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ... ، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه ... ، ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم، أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه، فقلّ من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين؛ لكثرة الاشتباه والاضطراب، وبُعد الناس عن نور النبوة، وشمس الرسالة الذي به يحصل الهدى والصواب (٢) .

ويركز ابن تيمية رحمه الله على أهمية لين الخطاب مع المخالف، ومخاطبته بالتي هي أحسن، حتى وإن أغلظ المخالف عليه القول؛ لأن الغرض هو بيان الحق، وإزالة الشبهة، ومع هذا ينبه إلى أن مقامات الخطاب للمخالف تختلف فلها أحوال: فقد تنفع المخاطبة بالتي هي أحسن وقد لا تنفع، ولذا يقول رحمه الله: (ما ذكرتم من لين الكلام، والمخاطبة بالتي هي أحسن، فأنتم تعلمون أني من أكثر الناس استعمالاً لهذا، لكن كل شيء في موضعه حسن، وحيث أمر الله بالإغلاظ على المتكلم لبغيه وعدوانه على الكتاب والسنة، فنحن مأمورون بمقابلته، ولم نكن مأمورين أن نخاطبه بالتي هي أحسن، ومن المعلوم أن الله تعالى يقول: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل


(١) انظر: الرد على الأخنائي ص٩، وقارن بين هذا وبين ما في ص١٥٠ - ١٥١.
(٢) انظر: درء تعارض العقل والنقل ٢/١٠٢ - ١٠٣، ٣١١، ٣١٥.

<<  <   >  >>