وعندما كان يوم الثلاثاء جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت، وما وجدتها في كتاب اللَّه، ولا كانت عهداً عهده إليّ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ولكني قد كنت أرى أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - سيدبر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإن اللَّه قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى اللَّه رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فإن اعتصمتم به هداكم اللَّه لما كان هداه له، وإن اللَّه قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعته العامة بعد بيعة السقيفة (١).
فكان عمر - رضي الله عنه - يذود ويقوي، ويشجع الناس على بيعة أبي بكر حتى جمعهم اللَّه عليه، وأنقذهم من الاختلاف والفرقة والفتنة.
فهذا الموقف الذي وقفه عمر مع الناس من أجل جمعهم على إمامة أبي بكر، موقف عظيم من أعظم مواقف الحكمة، التي ينبغي أن تسجل بماء الذهب من مواقف عمر الحكيمة.
[المطلب الثالث: موقفه الحكيم في إصلاح الأهل قبل الناس]
كان عمر - رضي الله عنه - مع أهله قوياً، فكان إذا أراد أن يأمر المسلمين بشيء أو ينهاهم عن شيء مما فيه صلاحهم ونجاحهم وفلاحهم،
(١) انظر: سيرة ابن هشام، ٤/ ٣٤٠، والبداية والنهاية، ٥/ ٢٤٨، ٦/ ٣٠١، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، ٣/ ٥٧.