للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مهموم على وجهي، فلم أسْتَفِق إلا بقرن الثعالب (١)، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني: فقال:

إن اللَّه - عز وجل - قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليّ، ثم قال: يا محمد! إن اللَّه قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت (٢)؟ إن شئت أن أُطْبِق عليهم الأخشبين)). فقال له رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: ((بل أرجو أن يخرج اللَّه من أصلابهم من يعبد اللَّه وحده لا يشرك به شيئاً)) (٣).

وفي هذا الجواب الذي أدلى به رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخُلق العظيم الذي أمده اللَّه به.

وفي ذلك بيان شفقته على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهذا موافق لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ} (٤)، وقوله


(١) وهو ميقات أهل نجد، ويقال له: قرن المنازل، ويعرف الآن بالسيل الكبير. انظر: الفتح،
٦/ ١١٥.
(٢) استفهام، أي: فأمرني بما شئت. انظر: فتح الباري، ٦/ ٣١٦.
(٣) البخاري مع الفتح في كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه، ٦/ ٣١٢، (رقم ٣٢٣١)، ومسلم بلفظه في كتاب الجهاد والسير، باب ما لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - من أذى المشركين والمنافقين، ٣/ ١٤٢٠، (رقم ١٧٩٥). وما بين المعقوفين من البخاري دون مسلم.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٥٩.

<<  <   >  >>