الدعوة في مجامع قريش العامة، ولم يكن المسلمون الأوائل يتمكنون من إظهار دينهم وعبادتهم، حذراً من تعصب قريش لجاهليتها وأوثانها، وإنما كانوا يخفون ذلك (١).
ولقد بلغ المسلمون عدداً يقرب الأربعين رجلاً، ومازالت الدعوة سراً لم يجهر بها بين صفوف قريش؛ لأن الرسول الحكيم - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن هذا العدد غير كافٍ في دفع ما يتوقع من أذى يصيب به قريش المسلمين، وكان من الضروري أن يجتمع بهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على شكل جماعات يرشدهم، ويعلمهم؛ ليكوِّن منهم القاعدة الصلبة التي يمكن أن يواجه بها أولئك الذين يقفون في وجه دعوة التوحيد، وقد اختيرت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فكان يلتقي بهم على شكل أُسَر يعلمهم أمور دينهم، وكان إلى جانب دار الأرقم - المركز الرئيسي - دور أخرى تكون مراكز فرعية، حيث يذهب إليهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أحياناً دون انتظام، أو ينتظم فيها الصحابة الذين يختارهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، مثل دار سعيد بن زيد، ولكن الأرقم بن أبي الأرقم قد فاز بمنقبة عظيمة، وهي اتخاذ داره مركزاً رئيسياً للدعوة أيام ضعفها واستخفائها، وهي أحرج أوقات
(١) انظر: سيرة ابن هشام، ١/ ٢٦٤، وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي - قسم السيرة -، ص١٢٧، والبداية والنهاية لابن كثير، ٣/ ٢٤ - ٣٧، وزاد المعاد، ٣/ ١٩، ومختصر سيرته - صلى الله عليه وسلم - للإمام محمد بن عبد الوهاب، ص٥٩، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، ٢/ ٥٧، وهذا الحبيب يا محب، ص٩١.