في الواقع فإن أفكارنا لا يصنعها فقط (الفصحاء) الذين يتحدثون باحتقار (وأحيانا بانفعال) ولكن أيضا يصنعها (الحركيون).
الأولون يدخلون إلى دورة الأفكار قاطعا منهجيا. أما الحركيون، فيدسون الأفكار الخاطئة، التي لا علاقة لها بالحياة، وبالمشاعر وبمتاعب الشعب الجزائري.
والفرقتان تعملان معا لاختزال كل تواصل ضروري بين (المستقبل الفلسفي لعالم ما)، و (مستقبل عالم الفلسفة).
إنهم ستائر تحول بين الأفكار والأحداث الاجتماعية، خصوصا في الإطار السياسي. وأحيانا دون أن يعلموا، يشكلون فواصل، جهزت بأيد خبيرة، لتقص كل اتصال من شأنه أن يعزل الأفكار، ويجعل من غير الممكن الحوار بين رجل السياسة ورجل الفكر، وفق تعبير الرئيس بومدين.
ولعله من غير الممكن أن نتحدث هنا عن سائر الإجراءات المستعملة، وعن سائر القواطع التي جهزت، لتجعل مثلا هذا الحوار مستحيلا.
يكفي أن نقول فقط، بأننا إذا كنا نعرف شيئا عن الصراع الفكري العنيد، الذي يجمع بيده القوى الكبرى والتي تدعي السيطرة العالمية، فإننا لا نعرف شيئا عن الخاصية القوية للصراع الفكري، الذي يطلقه الاستعمار في البلاد التي خرج منها، بعد أن استعمرها.
وشعوب العالم الثالث تدخل في هذا، سواء علمت به أو لم تعلمه. فنحن نعرف على سبيل المثال، بأية طريقة ينتقص الاستعمار من طاقتنا الاقتصادية، حين يخضع موادنا الأولية للكساد. إذ ينافسها بما يطرح في السوق بديلا عنها مصنوعات (السانتاتيك).
ونعلم أيضا بأنه يفعل ذلك لهدف محدد، يعرقل بناءنا الاجتماعي.