كان ذلك على قبر "دينيه"، البارحة، حينما عادت بي تلك الفكرة القائمة إلى الذاكرة. لقد وجدتها، إلى ربع قرن مضى، على شفاه امرأة عجوز من تبسة، كانت تشعر لثقل أيامها الموحشة.
فقد ضربت عائلتها بغير ما شفقة، لأسباب لم تبح بها تلك العجوز؛ لعله العنفوان أو التجمل. كل ما عرفته أنه لم يكن من الممكن الحديث عن نجدتها من تلك التعاسة الإنسانية.
حقا فإنه حينما يقرر الاستعمار النيل من شخص ما، فإنه يتركه خيالا ووهما دون حياة، والويل حينئذ لمن يأتي إليه مسعفا أو مخففا من بلوائه، الويل لمن يمد إليه يد إخاء تخفف من غلواء بؤسه.
في بداية هذا القرن، عاش الشعب الجزائري أحلك أيامه. فبعد الانتفاضات الأخيرة لمقاومته البطولية، لم يعد وجوده سوى وهم وخيال، يأخذ طورا شكل الخضوع الكامل (الحتمية كما سيقول ممتهنوه ومذلوه)، وطورا آخر يأخذ شكل الإغراق في الأسطورة.
لكن إيمانه قد ساعده على تجاوز ضعفه، ومعاداة الأيام له، لا بل زانه بشيء من الأصالة، وشعاع ساحر غامض يلفت الانتباه، وقد يغري تعاطف الحس الرهيف، إذ جاء من بلاد بعيدة.
هكذا وقعت دي كاسترز في سحر من الأغواط.
(*) « Réflexions de Bou Saada» , Révolution africaine, no ٢٦٩ Semaine du ١١ au ١٧ avril ١٩٦٨.