للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن فيتنام لم تستطع أن تجابه الإمبريالية بالعلم الذي لا ينال في مراحله الأولى، وإنما بإدراك يجسده زارع الأرز كما يجسده صاحب أعلى رتبة، أو المفكر الأشد اطلاعا.

كذلك، لم يستطع الشعب الجزائري أن ينتزع استقلاله بالمعرفة التي تتمتع بها النخبة فيه، بل بالإدراك الذي وجد على المستوى الشعبي في وجه الاستعمار. هناك مشكلة تطرحها النخبة، خاصمة إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك النخبة التي استقلت في الخارج (هناك ٣٠٠ طبيب مقيم في منطقة باريس ليس في إلا).

وأخيرا، لم يحصل فشل عسكري في سيناء، كما يقول أحد علماء الاجتماع الفرنسيين، بل ظهر (فشل ثقافي) في حزيران الماضي. لم تكن القضية قضية إخفاق العلم العسكري بل إخفاق الثقافة وحسب.

هكذا هو الأمر، في كل الأوقات الصعبة في التاريخ: الثقافة هي التي تكون طوق النجاة للمجتمع، حين يتعرض لخطر الغرق.

أضف إلى ذلك أن العلم غير شخصي (موضوعي)، بمعنى أن رجل العلم يكون دائما إنسانا يراقب الأشياء، ليسيطر عليها، وليحسنها، تلك هي النظرة المنهجية (الديكارتية) لعالم الظواهر.

ولكن الثقافة أكثر من ذلك، إنها تخلق الإنسان الذي يراقب، ويراقب ذاته في بادئ الأمر. تلك هي نظرة الغزالي أو (باسكال) اللذين كانا يبحثان عن تناسق بين عالم الظواهر وعالم الداخل، تلك هي النظرة التي تسمح للإنسان أن يسيطر على ذاته، وأن يسيطر على الأشياء التي ابتدعتها عبقريته، أي بكلمة مختصرة أن يتحضر.

ومن المؤكد أن للثقافة نتاجاتها، كما للصناعة نتاجات (كصناعة المعادن، مثلا)، حتى إن لها نتاجات ثانوية.

<<  <   >  >>