وأما قول المستدرك في الحديث الذي بعده:"وما أكثر ما يردد المتأخرون تعليلات الأئمة بمثل هذا الأمر، وهو من أعجب الردود! إذ لو أخذنا بهذه الطريقة لم تسلم لنا أكثر العلل الحديثية، وهو ليس ردًّا علميًّا مبني على معرفة درجة إتقان الرجل، أو تفرده، أو نحو ذلك، إنما هو احتمال عقلي، لا يسنده تعليل حديثي، وهذا كاف في رده"!!
سبق وأن قلت: إن هذا العلم وسيلة وليس غاية، فمثله مثل علوم الآلة، والغاية هو المتن، وكما تقدم في كلام ابن القيم عن الصحابة:"وَلا حَاجَةَ بهم إلَى النَّظَرِ في الإِسْنَاد، وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ، وَعِلَلِ الحديث، وَالْجَرْح وَالتَّعْدِيل". فصحة الحديث لا يُكتفى فيها بمعرفة العلل، دون النظر إلى أصول الشريعة ومقاصدها، كما قال شيخ الإسلام:"والمرسل نقول: إذا عمل به جماهير أهل العلم وأرسله من أخذ العلم عن غير رجال المرسل الأول، أو روي مثله عن الصحابة، أو وافقة ظاهر القرآن؛ فهو حُجَّة".
ولكن لا يفطن لهذا ويدركه إلا الكبار من أهل العلم، ولا يتأتَّى بالقراءة في كتب العلل، دون ضيط أصول العلم، رواية ودراية، وفِقْهًا، والله الموفق.
وقال ابن مهدي:"رجلان من أهل الشام إذا رأيتَ رجلاً يحبهما فاطمئن إليه: الأوزاعي وأبو إسحاق، كانا إمامين في السنة.
وقال ابن عيينة في قصة: والله ما رأيتُ أحدًا أُقدّمه عليه. وقال لأبي أسامة: أيهما أفضل أبو إسحاق، أو الفضيل بن عياض؟ فقال: كان الفضيل رجل نفسه، وأبو إسحاق رجل عامة" (١).