عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس وكانت لروايته شواهد ومتابعات، فإن أئمة الحديث يقبلون حديث مثل هذا، ولا يردونه، ولا يعللونه بالجهالة، فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر، عللوه بمثل هذه الجهالة، وبالتفرد، ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض منهم، وهو بمحض العلم والذوق والوزن المستقيم، فيجب التنبه لهذه النكتة، فكثيرًا ما تمر بك في الأحاديث ويقع الغلط بسببها" (١).
* لزوم التحري في فهم عبارات الأئمة:
قال شيخ الإسلام: "قال أبو إسحاق الجوزجاني: قال ابن أبي شيبة: ثبت لنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"لا وضوء لمن لم يسم"، وتضعيف أحمد لها محمول على أحد الوجهين: إما أنها لا تثبت عنده؛ أولاً: لعدم علمه بحال الراوي، ثم علمه، فبنى عليه مذهبه برواية الوجوب، ولهذا أشار إلى أنه لا يعرف رباحًا ولا أبا ثفال، وهكذا تجي عنه كثيرًا الإشارة إلى أنه لم يثبت عنده ثم زال ثبوتها، فإن النفي سابق على الإثبات.
وإما أنه أشار إلى أنه لم يثبت على طريقه تصحيح المحدثين، فإن الأحاديث تنقسم إلى صحيح، وحسن، وضعيف، وأشار إلى أنه ليس بثابت، أي: ليس من جنس الصحيح الذي رواه الحافظ التقة عن مثله، وذلك لا ينفي أن يكون حسنًا -وهو حجة-، ومن تأمل كلام الحافظ الإمام علم أنه لم يوهن الحديث، وإنما بيَّن مرتبته في الجملة أنه دون الأحاديث الصحيحة الثابتة.
وكذلك قال في موضع آخر: أحسنها حديث أبي سعيد، ولو لم يكن فيها حسن لم يقل فيها أحسنها، وهذا معنى احتجاج أحمد بالحديث الضعيف،