وقبل الجواب على تعقُّبات الدكتور الخليل أنبِّه على قواعد ومسائل فى علوم الحديث، نصيحة لطلبة العلم الراغبين فى البحث والدراسة فى هذا العلم الشريف، وأُبَيِّنُ لجملة من طلبة العلم الذين يتقفّرون هذا الفن أنهم علموا أشياء وفاتهم الأكثر، وأن زمن الرواية انتهى، ولا ينبغى لأحد أن يتشبع بما لم يُعْطَ، وأن أقدر الناس فى الحكم على الأحاديث في هذا العصر -وخصوصًا المختلف فيها- هم أهل العلم بمعانيه والاطلاع الواسع على متونه وآثار الصحابة، فهم حملته الأوَّلون، فإن السنة يصدِّقُ بعضها بعضًا، وعمل الصحابة أعظم برهان على صدق الحديث أو كذبه وخطئه من صوابه، قال تعالى:- {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: ٣] الآية، فحديث لا يعرفه الصحابة -رضي الله عنه- ليس بحديتْ، ويأتي مؤيد بيان وتفصيل.
فأقول وبالله التوفيق:
أول هذه القواعد: أن أهل الحديث ليسوا على درجة واحدة في الفقه، كما قال عليه السلام "نضَّرَ اللهُ عبدًا سَمِعَ مقالتي فوعاها، ثم أدَّاها إلى من لم يسمعها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ لا فِقْهَ له، ورُبَّ حاملِ فِقْهٍ إلى من هو أفقهُ منه" وهو حديث متواتر.
قال شيخ الإسلام: "وأهل العلم المأثور عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس قيامًا مًا بهذه الأصول، لا تأخذ أحدهم في الله لومة لائم، ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم؛ بل يتكلم أحدهم بالحق الذي عليه، ويتكلم في أحب الناس إليه عملاً بقوله تعالى:({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (١٣٥)} [النساء: ١٣٥] وقوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة: ٨].