أما النساء فأحب الرجال إليهن الفارس الأبتع. الشجاع الأروع. فأما الغنى والفقر فلا ضابط لهما فإن الغني يتهافت على حب الفقيرة كما يتهافت على حب الغنية. بل البخيل من الأغنياء يؤثر حب الفقيرة طمعاً في أن يرضيها بالقليل من المال. والغالب أيضاً إيثار حب الجيل الغريب للاستطلاع على ما عنده من الغرائب التي تتصور المخيلة وجودها فيه دون غيره. إلا إذا منع مانع جهل بلغته فحٍ يحصل للمخيلة انقباض في تماديها. وكما أن لطف النساء وقلفطتهن تعجب الرجال ولا سيما في الفراش كذلك كان يعجب النساء من الرجال تراتهم وشيْظميتّهم. فلا تكاد امرأة ترى رجلاً على هذه الصفة إلا وتقول في قلبها عند هذا كفايتي وغنائي. وقد لحظت العرب هذا المعنى باشتقاقهم الطول من الطول. غير أن النساء على الأعم بجنين اللذات من كل مجني ويكرعن من مواردها ما ساغ وما أغص فمثلهن كمثل النحلة تجني من الزهر وان يكن على المدمن.
فأما الغيرة فهي خلق طبيعي في كل بشر إذا كان سليم الذوق. فإن الإنسان يغار على متاعه من أن ينتهكه غيره فكيف على حرمته. وما يقال من أن الإفرنج ليس لهم غيرة على نسائهم فليس على إطلاقه. فإن منهم من يقتل زوجته ونفسه معاً إذا علم منها خيانة. نعم إنهم يتساهلون معهن في أمور كثيرة ربما تعدّ عند المشرقيين قيادة. إلا إنها في نفس الأمر وقاية من الخيانة. إذ قد تقرر عندهم أن الرجل إذا حظر امرأته عن الخروج وعن معاشرة الغير أغراها بالضَمْد. بخلاف ما إذا أرضاها بهذه اللذات الخارجية.
ثم أنه لما علم اجتماع المستعسلين أي الفرياق والبنت خلافاً للعادة المألوفة ذاقت أمها من ذلك مرارة الصاب فاستشارت بعض أمرها فقالوا لها لسنا نرضى بمصاهرة هذا الرجل لأنه من الخرجيين. وأنت من أعزّ بيت من السوقيين وهما لا يجتمعان. فقالت لهم ليس هو من جرثومة الخرجيين بل هو دخيل فيهم. قالوا لا فرق في ذلك رائحة الخرج ساطعة منه وقد ملأت خياشيمنا وحذروها منه غاية التحذير. مع أني قد حذرتهم وأمثالهم في الفصل الذي مرّ من هذا الفصول. فلما علمت البنت بذلك نبض فيها نبض الخلاف وقالت ليست وقالت ليست هذه الفروق من مصالح النساء. وإنما هي مصلحة من أتخذها وسيله للمعاش والجاه. والمقصود من الزواج إنما هو التراضي والوفاق بين الرجل والمرأة. وأن أبيتم ذلك فها أنا أنذركم إني لست من السوقيين في شيء. فرأت أمها أن تغيب بها أياماً عن ذلك المحل رجاء أن يبعثها البعد على السلوان. فهاجت ح جميع عواطف الهوى في كل من العاسل والمعسول. وإليه أشار أبو نواس بقوله: دع عنك لومي فإن اللوام أغراء.