وأما إذا كانت النتيجة مجهولة الوجود بالجزء والكل- أي على الإطلاق- وكانت الكبرى معلومة بنفسها والصغرى مما شأنها أن تبين بالاستقراء، فإنه يجب ضرورة أن تكون المعرفة بها أكثر من المعرفة بالنتيجة. وذلك يعرض إذا كانت الجزئيات المستعملة في الاستقراء محدودة العدد، مثل ما كان عرض للمهندس القديم حين أراد أن يبين أن الدائرة يوجد لها شكل مربع يساويها بأن وضع مقدمة كبرى- وهو أن كل شكل مستقيم الخطوط فيوجد له مربع يساويه، وذلك معروف عند المهندسين- ثم رام أن يبين أن كل دائرة فإنها مساوية لشكل مستقيم الخطوط بأن قسم الدائرة إلى أشكال يسيرة العدد مساوية للأشكال المستقيمة الخطوط- وهي الأشكال الهلالية- فإنه لو كانت الدائرة تنقسم كلها إلى الأشكال الهلالية حتى يفنيها لقد كان ما عمل من الاستقراء في هذا الموضع يجري مجرى ما كانت المقدمة الصغرى فيه أقل خفاء من النتيجة.
وأما متى لم تكن الأوساط محدودة فإن أمثال هذه المقدمات ليس يبين بالاستقراء وإنما يبين بالقياس. ولذلك يقول أرسطو في أمثال هذه: إنه ليس يسمى البيان المستعمل فيها استقراء، لأن البيان الواقع في مثل هذه المقدمة إما أن يكون بقياس وإما بمثال وإما باستقراء لم تستوف فيه جميع الجزئيات. وقد صرح هو في هذا الموضع أن هذا النوع من الاستقراء هو مثال. وكما أنه إذا كانت وسائط المقدمة الصغرى معلومة بنفسها. فالمقدمة التي تبين بالاستقراء من خاصتها أن تكون صغرى وتكون أقل خفاء من النتيجة أو مساوية وأن تكون غير معلومة بنفسها.
القول في المعاندة قال: وأما المعاندة فهو الإتيان بمقدمة تضاد المقدمة التي يقصد إبطالها بالعناد. والفرق بين المقدمتين أن المقدمة التي يقصد إبطالها تكون أبدا كلية، لأنها هي التي بإبطالها تبطل النتيجة في القياس الذي إحدى مقدمتيه جزئية والثانية كلية. وأما المقدمة المضادة بالقوة لهذه المقدمة فقد تكون كلية إذا كانت أعم من المقدمة المناقضة للمقدمة التي يقصد إبطالها وقد تكون جزئية إذا كانت أخص من المقدمة المناقضة للمقدمة التي يقصد إبطالها. والمعاندة تكون بالطبع وأولا في شكلين، الشكل الأول والشكل الثالث، وذلك أن النتيجة التي يقصد بها إبطال المقدمة الكلية من القياس إما أن تكون كلية- إذا قصد الإبطال الكلي- وأما جزئية- إذا قصد الإبطال الجزئي والجزئية إنما يتأتى إنتاجها عند المقاومة إنتاجا أوليا في الشكل الثالث والكلية في الشكل الأول، وسواء كانت المقدمة المقصود إبطالها سالبة كلية أو موجبة كلية، لأنه إذا كانت كلية موجبة نوقضت أما بسالبة كلية وأما بسالبة جزئية وإن كانت سالبة كلية نوقضت إما بموجبة كلية وإما بجزئية.
وتبين أن المقاومة للمقدمات الكبر تكون إذا كانت كلية في الشكل الأول وإذا كانت جزئية في الشكل الثالث من المواد أنفسها. مثال ذلك أنه إذا وضع واضع أن اَ موجودة في كل بَ وأردنا أن نقاوم هذه الكلية بنتيجة كلية سالبة فإنا نضع أن اَ مسلوبة عن كل ما يحيط ببَ ويحمل على بَ- وليكن مثلا جَ- فتكون بَ موضوعة بالطبع لجيم وجَ موضوعة للألف وذلك هو تأليف الشكل الأول ضرورة. وإن قاومناها مقاومة جزئية أخذا أن اَ مسلوبة عن بعض بَ- وليكن ذلك البعض دَ- فيأتي دَ موضوعة بالطبع للطرفين، وذلك هو تأليف الشكل الثالث. وتكون كلتا المقدمتين الموضوعتين للمناقضة مقابلة بالقوة للمقدمة التي يقصد إبطالها إما من جهة أنها أعم وإما من جهة أنه أخص.