وأرسطو يبين أن الصنفين الكليين من الشكل الأول-أعني اللذين ينتجان نتيجة كلية- أكمل الأشكال كلها، لأن جميع أصناف المقاييس المنتجة التي في الشكل الثاني ترجع الكلية منها إلى الكلية في هذا الشكل وترجع الجزئية التي فيه الى الجزئية، وجميع أصناف الشكل الثالث إلى الجزئية التي في الشكل الأول. وذلك أن جميع أصناف الشكل الثالث إنما ينتج جزئية والجزئية التي في الشكل الأول يمكن فيها أن تبين على طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني التي تبين بالكلية التي في الشكل الأول، فيكون هذان الصنفان من الشكل الأول أكمل من جميع أصناف المقاييس المنتجة، إذ كلها يمكن أن يبين بهذين الصنفين.
وأما كيف تبين الجزئية التي في الشكل الأول على طريق الخلف بالكلية التي في الشكل الثاني، فعلى ما أقول. وذلك أنه كانت اَ موجودة في كل بَ وبَ في بعض جَ، فأقول إن اَ موجودة في بعض جَ. فإن لم يكن ذلك فنقيضها هو الصادق- وهو أنه ولا شيء من اَ في جَ- وقد كان معنا أن اَ موجودة في كل بَ، فينتج في الشكل الثاني أن بَ غير موجودة في شيء من جَ، وقد كنا فرضناها في بعض جَ، هذا خلف لا يمكن. وبمثل هذا يبين إنتاج السالب الجزئي في الشكل الأول بالكلى السالب من الشكل الثاني عن طريق الخلف.
فقد تبين من هذا القول أصناف القياسات المطلقة التي توجب إثبات شيء وإبطاله.
[جهات مقدمات المقاييس]
[القول في القياسات الاضطرارية]
قال: ولأن المقدمات المطلقة والاضطرارية والممكنة يخالف بعضها بعضا في الجهة وفي المادة التي تدل عليها الجهة- وذلك أن هاهنا أشياء كثيرة موجودة بالفعل من غير أن يكون وجودها باضطرار وهذه هي المطلقة، وأشياء ليست بمضطرة أن تكون ولا هي موجودة بالفعل بل هي ممكنة أن توجد في المستقبل وأن لا توجد وهذه هي الممكنة، وأشياء هي موجودة دائما وهذه هي المضطرة- فهو بين أنه يجب أن تكون المقاييس المؤلفة من صنف صنف من هذه مختلفة من قبل اختلاف مقدماتها. فيكون القياس الاضطراري مؤلفا من مقدمات اضطرارية، والقياس المطلق من مقدمات مطلقة، والممكن من مقدمات ممكنة.
فأما المقاييس التي تأتلف من المقدمات الاضطرارية فقريبة من المقاييس التي تأتلف من المقدمات المطلقة، وذلك أن الأشياء التي تشترط في المنتجة من المطلقة هي بعينها تشترط في المنتجة من الضرورية والأشياء التي هي سبب عدم الإنتاج في غير المنتج منها هي بعينها سبب عدم الإنتاج في الضرورية، إذ كان لا فرق بينهما إلا زيادة الاضطرار فقط. ولذلك كانت الأصناف المنتجة من المطلقة وغير المنتجة على عدد المنتجة وغير المنتجة من الضرورية. وإنما الفرق بينهما في أن المطلقة تقال على ما كان موجودا بالفعل من غير أن يشترط في ذلك وجود ضرورة- أعني في جميع الزمان. وذلك أن المطلقة هي التي توجب أن يوجد المحمول فيها في كل الموضوع مادام الموضوع موصوفا بصفة من الصفات التي يمكن أن تفارقه. والضرورية هي التي يوجد فيها في كل الموضوع من جهة ما الموضوع موصوفا بصفة لا تفارقه. فمثال المطلقة الأولى قولنا كل ماش متحرك ومثال الضرورية كل إنسان ناطق. وليست المطلقة ما يحكى عن الإسكندر ولا ما حكى عن ثاوفرسطس، وقد بينا ذلك في مقالة أفردناها لذلك، وأن الضرورية تقال على ما كان موجودا بالفعل ومشترطا فيه هذه الزيادة.