فأما القياس فهو قول إذا وضعت فيه أشياء أكثر من واحد لزم من الاضطرار عن تلك الأشياء الموضوعية بذاتها لا بالعرض شيء ما آخر غيرها. فالقول هاهنا هو جنس القياس- وأريد به القول الجازم- وسائر ما أخذ في الحد هي فصول تميز القول القياسي بالحقيقة من غير القياسي. فقوله: إذا وضعت فيه، يريد به إذا تسلمت واصطلح عليها. وقوله: أشياء أكثر من واحد، يريد بها المقدمات. وإنما قال أكثر من واحد لأنه سيبين بعد أنه لا يكون قياس من مقدمة واحدة. وقوله: شيء ما آخر، يعني به النتيجة، وذلك أنه واجب أن تكون النتيجة غير المقدمات، فإن الشيء لا يؤخذ في بيان نفسه. وقوله: لزم من الاضطرار، إنما إشترط فيه من الاضطرار من قبل أن اللزوم منه ضروري ومنه غير ضروري، وبهذا الشرط ينفصل القياس من الأقاويل التي يلزم عنها الشيء لزوما غير ضروري- وهي الاستقراء والمثال والمقاييس التي تنتج السلب مرة والإيجاب أخرى. وقوله: بذاتها، أراد به أن يكون القياس تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. وقوله: لا بالعرض، تحفظا من الأشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبين بعد- مثل ال به أن يكون القياس تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. وقوله: لا بالعرض، تحفظا من الأشكال التي قد تنتج في بعض المواد على ما سيبين بعد- مثل النتاج من موجبتين في الشكل الثاني إذا كانت المحمولات مساوية للموضوعات في الحمل. وبعض ما أخذ في هذا الحد هو بين بنفسه- أعني وجوده للقياس- وبعضه- سيبين وجوده. وذلك أن كون القياس قولا جازما هو بين بنفسه إذ كان القول الجازم هو الذي يصدق أو يكذب، وكذلك ما قيل فيه من أن يكون الازم عنه غير المقدمات وأن يكون اللزوم ضروريا هو بين بنفسه، وكذلك كون اللزوم بذاته لا بالعرض هو أيضا أمر بين بنفسه- أعني أن القياس يجب أن يكون بهذه الصفة. والذي بقي أن يبين هو أن الواجب أن يوضع فيه أكثر من مقدمة، وذلك سيبين فيما بعد إذا تبين أن كل قياس فإنما يأتلف من مقدمتين لا أكثر ولا أقل.
والقياس منه كامل ومنه- كما قلنا- غير كامل. والكامل هو الذي لا يحتاج في ظهور ما يلزم عنه من النتيجة إلى استعمال شيء آخر غيره مما يبين به إنتاجه. وغير الكامل هو الذي يحتاج في بيان ما يلزم عنه من النتيجة إلى استعمال شيء آخر أو أشياء أخر مما هو لازم عن المقدمات التي وضعت فيه. وذلك أن القياس بالجملة يجب أن يكون تاما، وهو أن لا ينقصه شيء يكون به قياسا. ثم هذا ينقسم قسمين، فمنه ما ينقصه شيء يبين به أنه قياس- وهو الذي يخص هاهنا باسم غير الكامل- ومنه مالا ينقصه شيء يبين به أنه قياس- وهو الكامل.
وأما المقول على الكل أو المقول ولا على واحد، فيعنى به إذا لم يوجد شيء في كل الموضوع إلا ويحمل عليه المحمول موجودا لكل الموضوع ولكل ما يتصف بالموضوع ويوجد فيه، حتى يكون قولنا كل ما هو حيوان فهو جسم إذا أردنا به معنى المقول على الكل ليس معناه كل واحد من الحيوانات فهو جسم بل كل واحد من الحيوانات وكل ما يتصف بكل واحد منها فهو جسم. وهذا هو الفرق بين المقول على الكل المستعمل مبدأ في هذا الكتاب وبين المقدمة الكلية. وكذلك المقول ولا على واحد، إنما يعنى به إذا لم يوجد شيء في كل الموضوع إلا ويسلب عنه المحمول، حتى يكون المحمول مسلوبا عن كل الموضوع وعن جميع الأشياء الموجود فيها الموضوع- أعني الأشياء التي يتصف بها الموضوع.
فهذه هي الأشياء التي يجب أن تتقدم معرفتها قبل النظر في أصناف المقاييس أي صنف كان.
[المقدمات المنعكسة]
وكل مقدمة فإما أن تكون مطلقة- أي موجودة بالفعل- وإما اضطرارية وإما ممكنة. ولذلك تنقسم أجناس المقاييس بانقسام جهات المقدمات وكل واحدة من هذه إما موجبة وإما سالبة، وإما كلية وإما جزئية وإما مهملة. ولذلك تتنوع المقاييس الموجودة من قبل هذه الجهات- أعني أن منها ما يكون من مقدمات ضرورية ووجودية وممكنة- كما نتنوع من جهة اختلاف المقدمات في الكمية- أعني بالكمية اختلافها من قبل الأسوار وبالكيفية اختلافها من قبل الإيجاب والسلب. والجهة الضرورية والممكنة قد عرفتها من الكتاب المتقدم.