والعلامة التي تدل على وجود الشيء تحمل على ثلاث جهات على مثال ما تحمل الحدود الوسط في الأشكال الثلاثة- أعني إما أن تكون محمولة على الأصغر موضوعة للأكبر فتأتلف العلامة في الشكل الأول، وإما أن تكون محمولة عليهما فتأتلف في الشكل الثاني، وإما أن تكون موضوعة للطرفين فتأتلف في الشكل الثالث. مثال ذلك في الشكل الأول قول القائل هذه المرأة قد ولدت لأنها ذات لبن، لأنه يأتلف القياس هكذا: هذه المرأة ذات لبن وكل ذات لبن والدة فهذه المرأة والدة، وهي النتيجة. ومثال ائتلافه في الشكل الثالث قول القائل الحكماء فضلاء لأن سقراط فاضل، فيأتلف القياس: سقراط حكيم وسقراط فاضل فالحكيم إذن فاضل. ومثال ائتلاف العلامة في الشكل الثاني قول القائل هذه المرأة ولدت لأنها مصفرة، فيأتلف القياس هكذا: هذه المرأة مصفرة والوالدة مصفرة فينتج في بادئ الرأي أن هذه المرأة والدة.
فإذا صرح في جميع هذه الأصناف الثلاثة بالمقدمتين جميعا سميت أقيسة، وإذا أضمرت إحدى المقدمتين إما لبيانها أو لكذبها سميت علامة. والعلامة التي تكون في الشكل الأول لا تنقض من قبل صحة لزوم النتيجة عنها وأما التي في الشكل الثالث فتنتقض من قبل أن النتيجة تؤخذ كلية وهي في الحقيقة جزئية. وأما التي في الشكل الثاني فتنتقض من قبل أن الشكل نفسه لا يكون فيه قياس من مقدمتين موجبتين لأنهه ليس إذا كانت المرأة الوالدة في وقت ما تلد صفراء وكانت هذه المرأة صفراء يجب أن تكون والدة. فيعم جميع هذه العلامات الثلاث أن مقدماتها تكون صادقة وينفصل بعضها عن بعض بالأشكال التي تأتلف فيها. فالمسمى من هذه علامة بالحقيقة هو ما ائتلف في الشكل الثاني والثالث، وهو ما كانت العلامة فيه أخص من الطرفين أو أعم من الطرفين- أعني طرفي المطلوب. فإذا كانتا أعم ائتلف في الشكل الثاني وإذا كانتا أخص ائتلف في الثالث. وأما العلامة التي تأتلف في الشكل الأول فهي أصدق العلامات وأحمدها، وهي التي تخص باسم الدليل.
[القول في قياس الفراسة]
قال: وأما قياس الفراسة فإنما يكون وجوده ممكنا عند من يسلم أن عوارض النفس الطبيعية- مثل الغضب والشجاعة- تتأثر عنها النفس والبدن في أصل الخلقة، لأنه معلوم أن العوارض الغير طبيعية لا يتأثر عنها البدن وإن تأثرت النفس- مثل أنه من تعلم صناعة الموسيقى فقد تأثرت نفسه لكنه لم يتأثر عن ذلك بدنه. وأما من خلق شجاعا من الحيوانات بالطبع أو جبانا بالطبع فإن لقائل أن يقول إنه توجد أبدان هذه الأنواع من الحيوانات متأثرة عن هذه العوارض الطبيعية الموجودة في نفوسها. فإذا سلم هذا وسلم أنه يوجد لنوع نوع من أنواع الحيوانات عارض عارض من العوارض النفسانية الطبيعية، لزم أن يوجد لواحد واحد منها علامة وأعراض خاصة لعارض عارض من عوارض أنفسها الطبيعية. وإذا كان الأمر كذلك أمكن أن يوجد قياس الفراسة. مثال ذلك أنه لما كانت قد توجد الشجاعة للأسد فقد يجب أن يكون في خلقته علامة تدل على الشجاعة، لأنه قد وضعنا أن النفس والبدن يتأثران عن العوارض النفسانية الطبيعية. فلتكن تلك العلامة مثلا عظم الأطراف العلية فيكون واجبا أن يوجد عظم الأطراف في كل نوع من أنواع الحيوان الذي يكون شجاعا، لأنه يجب أن تكون هذه العلامة هي خاصة بالشجاعة إذ قد وضعنا أن لكل عارض من عوارض النفس علامة خاصية والشجاعة قد توجد في غير الأسد، وذلك أن الإنسان وغيره شجاع. فيجب متى حصلنا العلامات الدالة في نوع نوع من أنواع الحيوانات على العوارض النفسانية التي يختص بها نوع واحد أو أكثر من نوع واحد- كان ذلك الذي يوجد في ذلك الحيوان الواحد منها هو عارض واحد أو أكثر من عارض واحد، مثل أن يكون في الأسد الشجاعة والسخاء، ولكل واحد من هذه علامة قد عرفناها- أن نستعمل الفراسة فنحكم على ما يوجد له من الأشخاص تلك العلامة أنه يوجد له ذلك العارض من عوارض النفس.