ومما يخص المقدمات الممكنة أن الموجبة منها تلزم السالبة، والسالبة تلزم الموجبة- أعني السالبة الممكنة لا سالبة الممكن، وهي التي توجب الإمكان وتسلب الوجود لا التي تسلب الإمكان، لأن تلك هي المناقضة للمكنة على ما تبين في بارى ارميناس وذلك أنه يلزم قولنا ممكن أن يكون قولنا ممكن أن لا يكون، إذ كانت هذه هي طبيعة الممكن- أعني أنه يتهيأ أن يوجد الشيء وأن لا يوجد. وهذا اللزوم موجود في جميع أصناف المتقابلة الموجودة في هذه المادة. وذلك أنه يلزم قولنا ممكن أن يكون في كل الشيء ممكن أن لا يكون في شيء منه، وقولنا ممكن أن يكون في كله قولنا ممكن أن لا يكون في بعضه، وعكس هذين. والبرهان على ذلك هو أن الممكن هو ما ليس بضروري الوجود، وما ليس بضروري الوجود فيمكن أن لا يوجد. فإذن ما يمكن أن يوجد يمكن أن لا يوجد، وما يمكن أن لا يوجد يمكن أن يوجد إذ كان ليس بضروري أن لا يوجد. وهذه المقدمات التي تعدها هنا سوالب هي في الحقيقة موجبات معدولة على ما تبين في بارى أرميناس، إذ كان حرف لا لا يقرن فيها بالجهة وإنما يقرن بالكلمة الوجودية، وذلك مثل ما يقرن بالموضوع في القضايا التي ليست بذات جهة.
والممكن يقال على ثلاثة أضرب. أحدها الممكن على الأكثر- مثل أن يشيب الإنسان في سن الشيخوخة وينمى في سن الشباب. والثاني الممكن على الأقل، وهو الذي يقابل الممكن على الأكثر- مثل أن لا يشيب الإنسان في سن الاكتهال، ولا ينمى في سن الشباب. والثالث الممكن على التساوي، وهو الذي يمكن أن يكون وأن لا يكون على التساوي- مثل تمزق هذا الثوب أو لا تمزقه. فأما الممكن الذي على التساوي فإنه يلزم الموجبة منه السالبة، والسالبة منه الموجبة على التساوي. وأما الذي على الأكثر فإنه يلزم الموجبة منه السالبة والسالبة منه الموجبة على الأقل. وأما الذي على الأقل فإنه يلزم الموجبة منه السالبة والسالبة منه الموجبة على الأكثر. وذلك أنه إن كان يمكن أن يشيب الإنسان على الأكثر في سن الاكتهال فيمكن أن يشيب على الأقل. والممكن الذي على الأقل وعلى التساوي فليس تستعمله صناعة البرهان، وقد تستعمله صنائع كثيرة- مثل الخطابة- فأنها قد تستعمل الممكن على التساوي. وأما الزجر والتكهن فإنها قد تستعمل الذي على الأقل.
والغرض هاهنا إنما هو القول في تعريف متى يكون قياس ومتى لا يكون من المقدمات الممكنة بإطلاق- أي من جهة ما هي ممكنة سواء كانت في الأكثر أو في الذي على التساوي أو في الأقل، إذ كان هذا الكتاب إنما ينظر فيه في صورة القياس، لا في مادته. وإذ قد تقرر هذا فلنقل في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة في الشكل الأول، ولنبدأ من هذه أولا بالصرفة ثم بالمختلطة.
[القول في المقاييس التي تأتلف من المقدمات الممكنة الصرفة]
[في الشكل الأول]
فنقول: إن عدد المقاييس الكاملة المنتجة في هذه المادة هي بأعيانها عدد المقاييس المنتجة في المادة المطلقة والضرورية. وذلك أنه إن كان كل ما هو جَ فهو بَ بإمكان وكل ما هو بَ فهو اَ بإمكان، فواجب أن يكون كل جَ هو اَ بإمكان. وذلك بين أيضا من معنى المقول على الكل أو المسلوب عن الكل، وذلك أن معنى قولنا كل بَ اَ بإمكان- أي كل ما يوصف ببَ بإمكان أو بالفعل، أي كل ما هو بَ بالفعل أو بالقوة فإنه اَ بإمكان، أي فإن اَ محمولة عليه بإمكان. فإذا وضعنا أن جَ موصوفة ببَ بإمكان، فيجب أن تكون جَ هي اَ بإمكان. وكذلك إن كانت المقدمة الكبرى كلية سالبة والصغرى موجبة كلية- مثل قولنا كل جَ هو بَ بإمكان ولا شيء من بَ هو اَ بإمكان فإنه يجب أيضا من جهة أن جَ جزء بإمكان لبَ أن تكون اَ مسلوبة عن كل جَ بإمكان.