قال: والذي نأمر متقلد الجواب بأن لا يذهب عليه من أن يسلم ما يعود بإبطال وضعه هو الذي نأمر السائل بأن يستعمله على أخفى ما يكون حتى يذهب ذلك على المجيب. وذكر في ذلك وصايا ثلاثة خاصة بهذا الكتاب. إحداها أن لا يسأل عن المقدمات مع النتائج، بل تحذف النتائج سواء كانت المقدمات قريبة أو بعيدة. وذلك يعرف في القياس المركب إذا كانت المقدمتان اللتان تنتج النقيض إحداهما نتيجة والثانية مأخوذة بالسؤال وتكون أيضا تلك النتيجة تلزم عن مقدمتين كلاهما مأخوذة بالسؤال، فهاهنا يجب أن يسأل عن ثلاث مقدمات ويترك المقدمة الرابعة التي هي نتيجة. والوصية الثانية أن يسأل عن المقدمات البعيدة ويترك السؤال عن القريبة. وذلك يتفق أيضا في القياس المركب إذا كانت المقدمتان المنتجة للنقيض نتيجتين عن قياسين كل واحد من ذينك القياسين يأتلف عن مقدمتين، فيكون هاهنا ست مقدمات أربعة بعيدة- وهي المقدمات التي ليست نتائج- واثنتان قريبة- وهي النتائج- فيسأل عن الأربعة ويترك الاثنتين. والفرق بين هذه الوصية والأولى وإن كان كلا الموضعين حذفت منه النتائج أن هنالك حذفت النتائج بما هي نتائج وهنا بما هي قريبة. والوصية الثالثة أن يغير ترتيب المقدمات في السؤال فيسأل عنها على غير النظام الذي تأتلف عليه في القول. مثال ذلك إذا رام أن ينتج عليه أن اَ موجود في زَ بتوسط جود اَ في بَ وبَ في دَ ودَ في هَ وهَ في زَ، فليس ينبغي أن يسأل هل اَ موجودة في بَ ثم هل بَ موجودة في دَ، ولكن ينبغي أن يسأل أولا هل هَ موجودة في زَ ثم بعد ذلك هل هَ موجودة في دَ، وعلى هذا النحو يفعل في السؤال عن الباقية من عدم الترتيب الموجود لها عند الإنتاج، فإن بذلك يخفى الأمر على المجيب. فهذا ما يجب أن يفعله السائل من الإخفاء في القياس المركب. وأما في القياس البسيط الذي يكون من مقدمتين فقط وبحد أوسط واحد، فإنه ينبغي أن يبتدئ بالسؤال أولا عن المقدمة الكبرى ثم حينئذ يسأل عن الصغرى، نه علة هذه الجهة يخفي النتيجة جدا على المجيب، وذلك أنه يتشكل في ذهنه خلاف التشكيل المنتج.
ولأن السائل العارف بما في هذا الكتاب وهو الذي تتوجه إليه هذه الوصايا خاصة قد عرف متى يكون قياس منتج في القول ومتى لا يكون وكيف يكون، فهو بين أنه لا يخفى عليه متى اجتمع له من المقدمات التي يتسلمها من المجيب تبكيت له ومتى لا يجتمع ذلك، لأنه قد علمنا أنه متى أقر المجيب بمقدمات موجبة أو كان فيها الموجب والسالب أنه قد يمكن أن يكون تبكيت، لأنه قد تبين أنه لا يكون قياس إلا بأن تكون مقدمتاه معا موجبتين أو تكون إحداهما موجبة والأخرى سالبة. فإن اجتمع مع هذا أن تكون النتيجة نقيض الوضع الذي تضمن المجيب حفظه فقد كان تبكيت بالضرورة، لأن التبكيت هو قياس منتج لنقيض الوضع الذي تضمن حفظه. فأما متى لم يقر المجيب بمقدمة موجبة فإنه من المحال أن يكون تبكيت، لأنه قد تبين أنه لا يكون قياس من مقدمات سالبة. وإذا لم يكن قياس لم يكن تبكيت. وأما إذا كان تبكيت فقد يجب أن يكون قياس. وأما إذا كان قياس فليس يجب أن يكون تبكيت، وذلك أن هذه هي حال الأخص مع الأعم- مثل حال الحيوان مع الإنسان وحال القياس المطلق مع القياس المبكت. وكذلك بين أيضا أنه لا يكون قياس إذا لم يقر بمقدمة كلية، لأن القياس المنتج قد تبين أن من شرطه أن تكون إحدى مقدمتيه كلية والثانية موجبة.