وأرسطو يبين من الحدود المأخوذة من المواد أنه إذا أخذت في مثل هذا الاختلاط المطلقة الموجودة في زمان معين بالفعل أنه لا يكون قياس منتج أصلا، لأنه ينتج حينا سالبا ضروريا وحينا موجبا ضروريا. والحدود التي تنتج السالب هي الإنسان والمتحرك والفرس. والأصغر هو الإنسان والأوسط هو المتحرك والأكبر هو الفرس. وذلك أن كل إنسان يمكن أن يكون متحركا، وكل متحرك قد يكون في وقت ما فرسا إذا لم يوجد شيء متحرك إلا فرس، والنتيجة سالبة ضرورية- وهي ولا إنسان واحد فرس. والحدود التي تنتج الموجب هي الإنسان والمتحرك والحي. فإن كل إنسان ممكن أن يكون متحركا، وكل متحرك في وقت ما قد يكون حيا إذا توهمنا أنه لا يتحرك في ذلك الوقت شيء إلا الحيوان، والنتيجة موجبة ضرورية- وهي أن كل إنسان حي. وإذا كان الأمر هكذا فلتكن المطلقة المأخوذة هاهنا هي التي لا تختص بزمان دون زمان، وسواء علم من أمرها أنها ليست ضرورية أو جهل ذلك فإن أكثر المقدمات هذه هي حالها.
ولتكن المقدمة الكلية الكبرى سالبة مطلقة والصغرى الكلية موجبة ممكنة، فأقول إنه ينتج سالبة مطلقة باشتراك الاسم- أعني التي تقال على الممكنة والضرورية. ومعنى قولنا في أمثال هذه المقاييس إنها منتجة- أي ليست تنتج الموجب مرة والسالب مرة، بل إنما تنتج إما الموجب فقط وإما السالب فقط- لكن السالب والموجب فيها هو مقول على أكثر من معنى واحد، فهذا هو أحد الأسباب التي من أجله قيل فيها إنها غير تامة. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ بإمكان ولا شيء من بَ هو اَ بإطلاق، فأقول إنه ينتج هذا أنه ولا شيء من جَ هو اَ بإمكان. فمرة تكون النتيجة ولا شيء من جَ هو اَ بالضرورة، ومرة تكون ولا شيء من جَ هو اَ بإمكان. برهان ذلك إنه إن لم يكن الصادق قولنا إنه يمكن أن يكون ولا شيء من جَ هو اَ، فليكن نقيضه هو الصادق- وهو أنه ليس يمكن أن يكون ولا شيء من جَ هو اَ. وإذا لم يمكن أن يكون ولا شيء من جَ هو اَ فبعض جَ هو اَ بالضرورة، وذلك بين اللزوم بنفسه. فإذا كان معنا أن بعض جَ هو اَ بالضرورة وأن كل جَ هو اَ بالفعل- وذلك بنقل المقدمة الممكنة في هذا الشكل إلى الوجودية- كان معنا قياس في الشكل الثالث من مقدمتين موجبتين، إحداهما جزئية ضرورية كبرى والثانية كلية مطلقة صغرى. وقد تبين أن هذا قد ينتج جزئية ضرورية بالافتراض. وذلك أنه يرجع من موجبتين كليتين في الشكل الثالث كبراهما ضرورية- وهي أن بعض بَ هي اَ باضطرار- وقد كان موضوعا لنا في القياس أنه ولا شيء من بَ اَ، هذا خلف لا يمكن. والخلف لم يلزم عن الكذب الممكن وإنما لزم عن وضعنا أن بعض جَ اَ بالضرورة، لكن إذا كذب هذا فنقيضه هو الصادق- وهو قولنا ليس بالضرورة هو اَ- وهذا يصدق معه أن يكون جَ ليس اَ بإمكان، وليس اَ بالضرورة، فلذلك تكون نتيجة هذا القياس مرة سالبة ضرورية، ومرة سالبة ممكنة. وقد يبين هذا المعنى من الحدود. فليكن بدل جَ إنسان وبدل بَ مفكر وبدل اَ غراب، فيأتلف هكذا كل إنسان يمكن أن يكون مفكرا ولا مفكر واحد غراب ينتج ولا إنسان واحد غراب- وهي سالبة ضرورية وليكن جَ أيضا إنسانا وبَ عالما واَ متحركا، فيأتلف القياس هكذا: كل إنسان يمكن أن يكون عالما، ولا عالم واحد متحرك بعلمه، فتكون النتيجة كل إنسان يمكن أن لا يكون متحركا بعلمه- وهي سالبة ممكنة.
وقد شك أبو نصر في هذا المثال لما اعتقد أن الوجودية هي التي يوجد المحمول فيها لكل الموضوع في زمان مشار إليه- مثل ما حكاه عن الإسكندر- وقال: إن قولك ولا مفكر واحد غراب هو ضروري لا وجودي، إلا أن تريد بالتفكر التخيل. وهذا كله لعدم التفاته إلى الفرق بين المطلقة والضرورية عند أرسطو لأن الضروري عند أرسطو هو الذاتي. وليس امتناع الفكرة من الغراب من الواجب الضرري عند جميع الناس مثل سلب الإنسان عن الغراب. والوجودية هي الصادقة عنده فقط، والصادق أيضا هو غير الضروري عنده. وبالجملة إذا أخذ الفكر بالفعل كانت المقدمة ضرورية بالعرض مطلقة بالذات.