وقد يسأل سائل فيقول: كيف قال أرسطو في المقاييس المختلطة التي كبراها سالبة مطلقة وصغراها موجبة ممكنة- وهي السالبة الغير تامة في هذا الاختلاط- إنها تنتج نتيجتين إحداهما سالبة ممكنة والثانية سالبة ضرورية، أو إنها تنتج مع السالبة الممكنة السالبة الضرورية، وسكت عن النتيجة المطلقة وهو قد ينتجها، وبرهان الخلف الذي استعمل أرسطو في بيان أنه ينتج سالبة ضرورية وممكنة يقتضي أنه قد ينتج المطلقة وبالجملة سالبة ممكنة باشتراك الاسم- أعني الممكن القول على الثلاث جهات. وكيف قال في المقاييس التي كبراها سالبة ضرورية وصغراها موجبة ممكنة- وهي الغير تامة في هذا الاختلاط- إنها تنتج أيضا نتيجتين إحداهما سالبة مطلقة والأخرى سالبة ممكنة، وقال إنه ليس يوجد في هذا الصنف برهان على أنه ينتج السالب الضروري ويبين من أمره أنه قد ينتج الضروري، وبرهان الخلف الذي استعمل في بيان إنتاجه السالب الممكن والسالب المطلق يدل على إمكان ذلك. وهل في هذا كله فرق بين الموجبات والسوالب في هذا الاختلاط الذي سماه غير تام- وهو الذي لا تكون الكبرى فيه ممكنة. فإن الذي فهم عنه من ذلك المفسرون الذين وصلتنا أقوالهم هو أن التأليفات الموجبة في هذين النوعين من الاختلاط بخلاف السوالب، وأن الموجبات منها تنتج ممكنات حقيقية. وهذا الذي قاله المفسرون هو الذي يقتضيه ظاهر ألفاظه أو ليس في ذلك فرق بين الموجبات والسوالب، بل كل الصنفين ينتج نتائج ممكنة باشتراك الاسم على ظاهر ما يقتضيه برهان الخلف المستعمل في ذلك وعلى ظاهر ما يذهب إليه أبو نصر في تفسيره هذا الموضع.
فنقول نحن الآن: إن الإنتاج بالجملة إما أن يكون سبب الاتصال. وأعني بالانطواء تضمن المقول على الكل جهة المقدمة الصغرى وانطوائها تحت حمل الحد الأكبر على الأصغر. وأعني بالاتصال تضمن المقول على الكل كون الحد الأوسط محمولا بإيجاب على الأصغر فقط من غير أن يتضمن الجهة- أعني جهة المقدمة الصغرى- وإنما يتضمن جنسها وهو الإيجاب فقط. والاتصال منه تام وهو أن تكون كلتا المقدمتين موجبتين، ومنه غير تام وهو أن تكون الكبرى كلية سالبة والصغرى موجبة فقط.
فأرسطو لما نظر في هذه المختلطات وجد منها ما ينتج بحسب الانطواء دائما وفي كل مادة- أعني أن المقدمة الكبرى فيه تتضمن جهة النتيجة- فحكم في هذه حكما جزما إن جهة النتيجة تابعة للمقدمة الكبرى وذلك في اختلاط الوجودي مع الضروري وفي اختلاط الممكن مع الضروري والوجودي مع الضروري والوجودي في الصنف التام منه- أعني إذا كانت المقدمة الكبرى هي الممكنة- فإن الانطواء موجود في هذه التأليفات على ما تبين من قولنا. ولما نظر في الصنف من اختلاط الممكن مع الضروري والوجودي الذي تكون المقدمات الضغر فيه ممكنة، وجد الانطواء فيها جزئيا- أعني في بعض المواد فرفض الإنتاج الذي يكون في هذا الاختلاط من قبل الانطواء وعاد إلى تبين الإنتاج الذي يكون في هذه من قبل الاتصال إذ كان هو الدائم. ومعنى دوامه أنه إذا رفعت نتيجته عن القياس لم يكن بعد قياسا، ولزم عنه الخلف. وفعل ذلك في الصنفين من الاتصال جميعا- أعني التام، وهو الصنف الموجب، والناقص، وهو الصنف السالب- وعرف ما يلزم كل واحد منهما من النتائج من جهة الاتصال وما لا يلزمه، وأن الموجب في ذلك بخلاف السالب. فابتدأ فعرف قي الموجب الذي يأتلف من مقدمة كبرى مطلقة وصغرى ممكنة أن النتيجة بحسب الاتصال يجب أن تكون ممكنة حقيقية وأنه ليس يمكن أن يكون غير ذلك، إذ الإنتاج لهذا الضرب إنما هو من جهة الاتصال. وذلك بأن يبين أنه متى وضعت نتيجة هذا القياس سالبة ضرورية كلية، إنه يعرض عن ذلك محال. وإذا كذبت السالبة الكلية الضرورية أمكن أن تصدق الموجبة الممكنة الكلية والموجبة المطلقة والضرورية. لكن أطرح المطلقة لأنها إنما تكون بحسب الانطواء، وسقطت الضرورية لأن الاتصال تام وليس في المقدمتين جهة ضرورية فبقي أن تكون ممكنة حقيقية.