وإذا كانت أجناس القياسات الشرطية الأول هي هذان الجنسان فكلاهما إذا تؤمل الأمر فيهما ظهر أن المطلوب فيهما هو الذي يبين فيها بجهة الشرط. وأما المستثنى فإنه يحتاج إلى أن يبين بقياس حملي في الشرطي المنفصل والمتصل، إذ كان التعاند والاتصال فيها بينا بنفسه. وذلك أنه إذا كان الاتصال فيها بينا بنفسه والمستثنى بينا بنفسه، كان اللازم بينا بنفسه. وذلك ظاهر جدا في الشرطي المنفصل، فإنه إذا كان التعاند بينا بنفسه والمستثنى بينا بنفسه فالمطلوب بين بنفسه، لأنه إن كان بينا أن العالم لا يخلو أن يكون إما محدثا وإما قديما وكان بينا بنفسه أنه عديم بقديم، فكونه محدثا بين بنفسه ضرورة. ويشبه أن يكون الأمر كذلك في الشرطي المتصل، فإنه إذا كان وجود الحركة بينا بنفسه ووجودها عن الطبيعة بينا بنفسه من غير وسط فوجود الطبيعة بين. وكذلك إن كانت أفعال النفس بينة الوجود بنفسها وبينة الوجود عن النفس فالنفس بينة الوجود بنفسها. وكذلك إن كانت الحركة معلومة الوجود ومعلوم بنفسه وجودها عن محرك، فالمحرك معلوم الوجود بنفسه. وإن كان عدم الحركة في شيء ما بين الوجود بنفسه، فعدم المحرك هنالك بين الوجود بنفسه. وبالجملة فأنت إذا تأملت البراهين التي تخرج مخرج الشرط في العلوم- وذلك في المطلوبات بالطبع- وجدت إما الاتصال فيها بينا بوسط وإما الاستثناء، وهذا إنما يلزم في المقاييس الشرطية التي ليست هي حملية بالقوة وهي الشرطية الحقيقية. وأما التي هي بالقوة حملية فتلك حملية أخرجت مخرج الشرط. ولذلك أمكن في هذه أن يبين بها المطلوب بذاتها ومفردة بزيادة مقدمة. وهذا النوع من الشرطيات هو الذي يشارك المقدم التالي بحد واحد. وقد تقصينا ذلك في قول أفردناه لذلك.
وأما إذا كان الأمران في القياس الشرطي معلومين بأنفسهما، فإنه لا يستعمل أصلا في بيان شيء مجهول بالطبع، وإن كانت قد تستعمل في بيان ما هو أقل خفاء من المجهول بالطبع- مثل استعمال الاستقراء وما أشبهه. وليس لقائل أن يقول إنه كما قد تكون المقدمتان في القياس الحملي معلومتين بأنفسهما والنتيجة مجهولة، كذلك قد يتفق أن يكون الأمر في القياس الشرطي- أعني أن تكون المقدمتان معلومتين بأنفسهما، الشرطية والمستثناة، وتكون النتيجة مجهولة- فإنه إنما اتفق أن كانت المقدمتان في القياس الحملي معلومتين والنتيجة مجهولة لأن المقدمتين لم تتألف بعد في الذهن التأليف الذي يلزم عنه النتيجة. وأما المقدمتان في القياس الشرطي فإنها ليست محتاجة إلى التأليف في لزوم ما يلزم عنها لأن اللزوم هو أحد المقدمات، ولذلك لا يدخل تحت حد القياس- كما ظن أبو نصر- إذ اللزوم في القياس الحملي يتولد عن المقدمتين، وهو في القياس الشرطي أحد ما يوضع. فما قاله أبو نصر من أنه يدخل تحت حد القياس لكونه من مقدمتين إحداهما المقدم والثاني اللزوم ليس بصحيح، لأن اللزوم ليس هو جزءا من القياس وإنما هو تابع. ولو كان القياس الشرطي قياسا، لكان يوجد قياس من مقدمة واحدة لأن اللزوم هو فعل القياس. فهكذا ينبغي أن يفهم هذا الموضع من أرسطو، لا على ما يقوله في ذلك أبو نصر ولا على ما يتشكك في ذلك عليه ابن سينا. وبالجملة فبالاستقراء الذي أرشدنا إليه يظهر ما يقوله أرسطو في هذا الأمر ظهورا بينا، لأنه قد تبين من قولنا أن كثيرا من الأشياء المعلومة بأنفسها- مثل وجود النفس وغيرها- إنما علمناها بهذا النحو من البيان. ومحال أن يكون طريق واحد بعينه يستعمل في الوقوف على المعلوم بنفسه والمجهول بالطبع. وكذلك المقاييس التي نسميها المقاييس الاقترانية- وهي المؤتلفة من مقدمتين شرطيتين يشركان بحد أوسط- هي مقاييس حملية في الحقيقة أخرجت مخرج الشرط. وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع.
فقد تبين أن جميع أجناس المقاييس إنما يتم بالشكل الأول وأنها تنحل إلى الكلية منها على ما سلف. وذلك أن ماعدا الحملية يتم بالحملية، والحملية تتم بالشكل الأول، والجزئية التي في الشكل الأول بالمقاييس الكلية التي فيه- على ما تبين.