ولما كانت كل مقدمتين إما أن يكون كلاهما كلية أو جزئية أو مهملة أو تكون إحداهما كلية والأخرى جزئية أو إحداهما كلية والأخرى مهملة أو إحداهما مهملة والأخرى جزئية، وكل واحدة من هذه الأصناف الثلاثة تنقسم قسمين إما أن تكون الكلية الكبرى والجزئية الصغرى أو بالعكس، وكذلك الكلية مع المهملة والجزئية مع المهملة وكل واحد من هذه الأصناف التسعة من التركيب إما أن تكون موجبتين معا أو سالبتين معا، أو تكون إحداهما موجبة والثانية سالبة، وهذا ضربان، أحدهما أن تكون الصغرى هي السالبة والكبرى هي الموجبة، والضرب الثاني عكس هذا، فهو بين أنه إذا ضرب هذه الأربعة في تلك التسعة حدث عنها ستة وثلاثون إقترانا. وأرسطو يبين المنتج منها وغير المنتج على ما أقوله.
أما متى كانت المقدمتان كليتين موجبتين، فإنه ينتج موجبة كلية ضرورة، مثال ذلك من الحروف أنه متى وضعنا كل جَ هو بَ وكل بَ هو اَ، فأقول إنه ينتج عن ذلك أن كل جَ هو اَ وذلك بالضرورة ودائما. ومثال ذلك من المواد أنا متى وضعنا أن كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس فإنه يلزم عن ذلك أن يكون كل إنسان حساسا. واللزوم هاهنا ظاهر من معنى المقول على الكل الذي رسمناه في أول هذا الكتاب، وذلك أن معنى قولنا كل بَ هو اَ أو كل حيوان حساس- وهي المقدمة الكبرى في هذا التأليف- إنما هو أن كل ما هو بَ ويوصف ببَ بإيجاب فهو اَ. فإذا أضفنا الى هذا الوضع أن جَ يوصف ببَ بإيجاب لزم ضرورة أن يوصف جَ باَ. وكذلك قولنا كل حيوان حساس إنما نريد به كل ما يوصف بأنه حيوان فهو حساس، فإذا أضفنا الى هذا أن الإنسان يوصف بأنه حيوان، فهو ظاهر أنه يجب أن يوصف بالحساس. فهذا هو أحد الضروب المنتجة في هذا الشكل.
وكذلك متى كانت المقدمتان كليتين وكانت الكبرى سالبة والصغرى موجبة، فهو ظاهر أيضا من معنى المقول ولا على واحد أنه ينتج سالبة كلية. مثال ذلك قولنا كل جَ فهو بَ، ولا شيء من بَ هو اَ، فيجيب عن ذلك ولا شيء من جَ اَ، لأن معنى قولنا ولا شيء من بَ اَ أي ولا شيء مما يوصف ببَ بإيجاب هو اَ، وجَ يوصف ببَ بإيجاب، فيجب أن لا يوصف بشيء من اَ.
وأما متى كانت المقدمتان الكليتان سالبتين معا أو كانت الكبرى موجبة والصغرى سالبة، فإنه لا يكون عن ذلك قياس منتج لا كلي ولا جزئي، وذلك ظاهر من أنه ينتج في المواد مرة موجبا صادقا ومرة سالبا صادقا، ومن أنه أيضا ليس فيه معنى المقول على الكل، إذ كان شرط ما يقال على الكل إنما هو أن تكون اَ مسلوبة عن كل ما يوصف ببَ وصف إيجاب. ولما كانت جَ توصف ببَ وصف سلب لم يجب منه أن يوصف باَ وصف سلب سواء كانت الكبرى موجبة أو سالبة. وأما أن هذين الضربين ينتجان في المواد مرة موجبة صادقة ومرة سالبة صادقة، فذلك ظاهر متى جعلنا حدود المقدمتين الكليتين اللتين الكبرى منها موجبة والصغرى سالبة مرة الحي والإنسان والفرس على أن الحي هو الحد الإكبر والأوسط الإنسان والأصغر الفرس، ومرة الحي والإنسان والحجر. فإذا قلنا ولا فرس واحد إنسان وكل إنسان حي، انتج موجبا كليا- وهو أن كل فرس حي. وإذا قلنا ولا حجر واحد إنسان وكل إنسان حي، أنتج سالبا كليا- وهو قولنا ولا حجر واحد حي. وإذا كان هذا التركيب مرة ينتج السالب ومرة ينتج الموجب، فليس يلزم عنه شيء آخر من الاضطرار ودائما على ما أخذ في حد القياس. وإذا كان ذلك كذلك فليس بقياس. وكذلك الحدود التي تنتج الموجب في المقدمتين السالبتين الكليتين هي النطق والفرس والإنسان، والتي تنتج السالب هي النطق والفرس والحمار. وذلك أنه ولا إنسان واحد فرس واحد ناطق ينتج كل إنسان ناطق، وأيضا ولا حمار واحد فرس ولا فرس واحد ناطق. فإذن هذا التأليف مرة ينتج الموجب ومرة السالب، فليس بتأليف قياس.