وكذلك يعرض إن بينا بطريق الخلف السالب الجزئي أن نأخذ نقيضه- وهو الموجب الكلي مثل أن نأخذ اَ في كل بَ- ونضيف إليه جَ في بعض بَ، فينتج لنا أن جَ في بعض اَ- وهو المحال- فأقول إن قياسه أيضا المستقيم يكون في الشكل الثاني، وذلك أنا نأخذ نقيض النتيجة والمقدمة الصادقة على العادة فيكون معنا جَ ولا في شيء من اَ وجَ في بعض بَ، ينتج لنا اَ ليست في كل بَ أو ليست في بعض بَ.
فقد تبين أن جميع المسائل التي تتبين بقياس الخلف في جميع العلوم يمكن أن تبرهن بقياسات مستقيمة وأن ترد إليها بتلك المقدمات بأعيانها وبتلك الحدود أيضا بأعيانها، وأن رد القياس المستقيم إلى الخلف هو بعينه القياس الذي يسمى المنعكس. وكذلك تبين مما تقدم أنه إذا ردت المقاييس المستقيمة إلى الخلف لأي قياسات ترجع في الخلف وكذلك إذا ردت قياسات الخلف إلى المستقيمات لأي قياسات ترجع. وتبين أن كل مطلوب يمكن أن يبين بالخلف وعلى الاستقامة.
القول في القياسات المركبة من المتقابلات قال: وأما في أي شكل يمكن أن يأتلف القياس من مقدمتين متقابلتين وفي أي شكل لا يمكن، فذلك يبين مما نضعه. أما أولا فقد قيل إن المتقابلات بالحقيقة على جهة السلب والإيجاب هي اثنان: المتناقضان والمتضادان.
وإذا تقرر هذا فأقول: إنه ليس يمكن أن يأتلف قياس في الشكل الأول لا من متضادات ولا من متناقضات لا قياس ينتج موجبا ولا قياس ينتج سالبا. أما موجبا فمن قبل أنه ينبغي أن يكون القياس المنتج للموجب من مقدمتين موجبتين، والقياس الذي يأتلف من المتقابلات على طريق التناقض أو التضاد إحدى مقدمتيه سالبة والأخرى موجبة. وأما سالبا فإنه أيضا ليس يمكن ذلك من قبل أن المحمول والموضوع في الموجبة والسالبة هو واحد بعينه على ما تبين في الكتاب المتقدم. والقياس الذي يكون في الشكل الأول مقدمتاه ليس المحمول فيهما واحدا ولا الموضوع واحدا، إذ كان الحد الأوسط فيه هو موضوع في إحدى المقدمتين محمول في الأخرى.
وأما الشكل الثاني فإنه يمكن أن يكون فيه قياس من مقدمتين متقابلتين إما على طريق التضاد وإما على طريق التناقض. ومثال ذلك قولنا كل علم فاضل ولا واحد من العلوم فاضل ينتج لنا ولا واحد من العلوم هو علم، وذلك غاية الشناعة. وكذلك يعرض إن وضعنا كل علم فاضلا والطب ليس بفاضل، وذلك أن سلب الفضل عن الطب هو سلب له عن بعض العلوم، فكأنا وضعنا كل علم فاضلا، بعض العلوم ليس بفاضل، فينتج لنا بعض العلوم ليس بعلم. والسبب في إمكان هذا في الشكل الثاني أن المحمول في المقدمتين فيه هو واحد بعينه. وهكذا الأمر في المتقابلات، وسواء فرضنا الموجبة هي الكبرى والسالبة هي الصغرى أو كان الأمر بالعكس الأمر في ذلك واحد بعينه. وليس يمكن أن تنتج المتقابلات بالحقيقة في هذا إلا بأن تؤخذ الموجبة والسالبة بعينها- مثل أن نقول كل علم فاضل، ليس كل علم فاضلا- أو نأخذ ما هو جزء لإحدى المقدمتين المتقابلتين ومنطو تحتها بدل المقدمة نفسها الموجبة أو السالبة- مثل أن نأخذ بدل كل علم ليس بفاضل الطب ليس بفاضل، أو بدل قولنا كل علم فاضل قولنا الطب فاضل- ثم نقرن به ولا علم واحد فاضل، فإنه لا فرق بين أن نقرنه بالمقدمة المقابلة نفسها أو بما هو منطو تحتها. ومتى لم تؤخذ المقدمتان بإحدى هاتين الجهتين لم تكن متقابلة ولا كانت قوتهما قوة المتقابلة لا في التي تتقابل على طريق التضاد ولا في التي تتقابل على طريق التناقض.
أما في الشكل الثالث فإنه لا يمكن في الأصناف الموجبة منه أن يكون القياس يأتلف من المتقابلات لأن المتقابلتين إحداهما موجبة والأخرى سالبة، وتلك هي العلة بعينها التي عرضت في الشكل الأول. وأما إذا كان القياس سالبا فإنه قد يمكن أن يأتلف فيه قياس من مقدمات متقابلة إذا كانت المقدمات كلية أو جزئية. مثال ذلك قولنا كل طب علم ولا شيء من الطب علم، فإنه يجب من هذا أن يكون بعض العلم ليس بعلم. وكذلك يعرض إن أخذت إحدى المقدمتين جزئية- مثل أن نقول بعض الطب علم ولا شيء من الطب علم، فإنه يلزم عنه أن يكون بعض العلم ليس بعلم. وإذا كانت إحدى المقدمتين في هذين القياسين جزئية والأخرى كلية فإن القياس يأتلف من المتناقضة لا من المتضادة إذ كان المتضادين كليين.