قال: وأما إذا أنتج السائل على المجيب الكذب من وضعه- وهو الموضع الذي يراجعه المجيب فيه بأن يقول له أن الكذب لم يعرض من قبل الأمر الذي وضعته أيها السائل وإنما عرض عن أمر آخر في هذا القول الذي رمت به أن تبين أن الكذب عرض عن الوضع الذي تضمنت أنا حفظه أو سلمته- فإن ذلك إنما يعرض في القياس الذي بالخلف إذا عرض أن يكون الكذب فيه لازما من غير أن يكون في ذلك تأثير للأصل الموضوع. وذلك إنما يعرض في قياس الخلف متى كانت إحدى مقدمتيه صادقة والتي لزم عنها الكذب مشكوكا فيها وأضيف إليها الوضع على أنه أمر زائد على المقدمتين. فإنه متى كانت مقدمتا القياس الذي بالخلف مشكوكا فيها فأنتج منها السائل الكذب بعد أن أدخل في جملتها الوضع ليوهم أن الكذب إنما لزم عن الوضع، فقد يكتفي المجيب هاهنا أن يقول أن الكذب إنما لزم عن الكذب الذي في القياس دون أن يحتاج أن يقول إنه ليس من قبل الموضع عرض الكذب، لأنه إنما يحتاج إلى هذا القول إذا كانت إحدى مقدمتي قياس الخلف صادقة والأخرى مشكوكا فيها. وكذلك أيضا يظهر أنه ليس يكون هذا القول من المجيب إذا كاب الإبطال الذي وجهه السائل عليه مؤلفا من قياس مستقيم، وذلك أن القياس المستقيم ليس يضع أحد فيه ما يروم إبطاله وإنما يعرض ذلك في قياس الخلف.
وإذا كان بينا أن هذا القول العادي من المجيب إنما يكون عندما يأتي السائل بقياس الخلف لا بالقياس المستقيم، فهو بين أنه إنما يعرض في قياس الخلف إذا كان المحال لازما- وجد الموضوع الذي يفرضه المجيب أو ارتفع- لأنه حينئذ يسوغ للمجيب أن يقول للسائل إنه ليس من قبل الوضع الذي فرضته أنا أو سلمته لزم المحال في هذا القياس الذي زعمت أن من قبله لزم المحال. وهذا يعرض على ضربين في قياس الخلف. أبينهما- وهو الذي ليس يخفي على أحد ولا يمكن أن يغالط به أو يغلط فيه إلا قليل من الناس- فهو أن لا يكون الوضوع مشاركا ولا بواحد من جزئيه- أعني المحمول والموضوع- لحدود المقدمات التي لزم عنها المحال. مثال ذلك أن يكون الأصل الذي نروم إبطاله اَ في كل بَ، فنقول إن كان اَ في كل بَ وكان جَ في كل دَ ودَ في كل هَ فإنه يلزم أن تكون جَ في كل هَ، وذلك محال. فالمحال إنما لزم عن وضعنا اَ في كل بَ، فإذن اَ في كل بَ محال. فإنه ظاهر أنه ليس لكون اَ في بَ في هذا القول تأثير في وجود جَ في هَ، الذي هو المحال. ومثال هذا- كما يقوله أرسطو- من المواد من قال إن القطر لا يشارك الضلع، لأنه إن شاركه وكان المتحرك إنما يقطع المسافة المتناهية بعد أن يقطع نصفها ولا يقطع نصفها إلا بعد أن يقطع نصف ذلك النصف، وكان يوجد في العظم أنصاف لا نهاية لها، فواجب إن كانت الحركة موجودة أن يكون المتحرك قد قطع مسافة غير متناهية في زمان متناه، وذلك محال. والمحال إنما لزم عن قولنا إن القطر مشارك للضلع، فإنه بين أن هذا القول الذي لزم عنه المحال- الذي هو شك زينن في الحركة- ليس بمتصل بجزء من أجزاء الموضوع الذي ريم بهذا القول إبطاله. ولذلك قل ما يستعمل هذا.