للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتربية النبوية في هذا العهد ذات شأن عظيم ذلك أنها كانت تربية تقوم على ضبط النفس، والصبر على الأذى، وإعداد العدة مع حبس دواعي الانطلاق وكف حدة الإقدام، واحتمال جهل الجاهلين وبغي الطاغين. وكل ذلك من غير ذل ولا استجداء، ولا يأس ولا وهن، بل إن عيونهم قريرة وقلوبهم مطمئنة إلى نصر الله ونفوسهم مستعلية على شرك المشركين وضلالهم وفتنتهم (١) .

ومن المهم في هذا الموضوع أن نلاحظ الحكمة الربانية في عدم فريضة القتال في مكة فإنه إنما شرع في العهد المدني أما (حين كان المسلمون في مكة فقد كان المشركون أكثر عدداً، فلو أمر المسلمون وهم أقل من العشر بقتال الباقين لشق عليهم، ولهذا لما بايع أهل يثرب ليلة العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا نيفاً وثمانين قالوا: يا رسول الله ألا نميل على أهل الوادي - يعنون أهل منى - ليالي منى فنقتلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إني لم أؤمر بهذا) (٢) .

ونحن حين نلتمس الحكمة في هذه الحالة وفي غيرها من التكاليف الشرعية - كما يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله - لا نجزم بما نتوصل إليه، لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنا من حكمة. ونفرض أسباباً وعللاً قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقة، أو قد تكون.

ذلك أن شأن المؤمن أمام أي تكليف، أو أي حكم من أحكام الشريعة هو التسليم المطلق لأن الله سبحانه هو العليم الخبير، وإنما نقول هذه الحكمة والأسباب من باب الاجتهاد وعلى أنه مجرد احتمال لأنه لا يعلم الحقيقة إلا الله، ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح) (٣) .

وهذه الأسباب والعلل ذكرها الأستاذ سيد قطب رحمه الله في كتابيه القيمين: ((في ظلال القرآن)) عند تفسير سورة النساء، وفي ((معالم في الطريق)) (٤)


(١) سبيل الدعوة الإسلامية. د. محمد أمين المصري (ص ١١١، ١١٣) بتصرف.
(٢) تفسير ابن كثير: (٥/ ٤٣١) والحديث في مسند أحمد (٣/٤٦٢) في سنده (معبد بن كعب بن مالك، قال عنه ابن حجر في التقريب مقبول، وذكر في التهذيب أن له حديثاً واحداً في صحيح البخاري وأخرج له مسلم. ووثقه ابن حبان.
(٣) انظر الظلال (٢/٧١٤) .
(٤) الظلال (٢/٧١٤ - ٧١٥) وفي المعالم (ص ٦٩ - ٧١) .

<<  <   >  >>