للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأدلة الانتفاع بالكفار نجدها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره في كتاب الإجازة باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام عن عائشة رضي الله عنها واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - الخريت: الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاصي بن وائل وهو على دين كفار قريش فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث فارتحلا (١) الحديث. قال ابن القيم: اسمه عبد الله بن اريقط الدؤلي وفي استئجاره وهو كافر: دليل على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والأدوية والحساب والعيوب ونحوها، ما لم يكن ولاية تتضمن عدالة ولا يلزم من مجرد كونه كافراً أن لا يوثق به في شيء أصلاً، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق ولا سيما في مثل طريق الهجرة (٢) .

قال ابن بطال: عامة الفقهاء، يجيزون استئجارهم - أي المشركين - عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم، وإنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من إذلال المسلم (٣) . ولكن ما هو الحكم لو آجر المسلم نفسه من كافر؟

والجواب على ذلك ما رواه البخاري أيضاً عن خباب رضي الله عنه قال: كنت رجلاً قيناً فعملت للعاص بن وائل فاجتمع لي عنده، فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: أما والله حتى تموت ثم تبعث فلا قال: وإني لميت ثم مبعوث؟

قلت: نعم. قال: فإنه سيكون لي ثم مال وولد، فأقضيك: فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا { (٤) [سورة مريم: ٧٧] .


(١) صحيح البخاري ٤/٤٤٢ ح ٢٢٦٣ كتاب الإجازة.
(٢) بدائع الفوائد (٣/٢٠٨) .
(٣) فتح الباري (٤/٤٤٢) .
(٤) صحيح البخاري كتاب الإجازة باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب (٤/٤٥٢ ح ٢٢٧٥) .

<<  <   >  >>