يضاد ذلك من نواقض الإسلام، التي لو شغل المسلمون أنفسهم ببيانها وعرضها للناس عرضاً صحيحاً سليماً بدلاً من تحويلها إلى قضايا ذهنية تجريدية لا علاقة لها بالسلوك الواقعي ولا بمعاني الإسلام الحقيقية لكان ذلك أجدى وأنفع للناس، وأقوم للقيام بما أراده الله منهم. ولو أن الأمة الإسلامية تقيدت بقول رسولها صلى الله عليه وسلم (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)(١) . وعضت على ذلك بالنواجذ ما طمع فيها شرق ولا غرب، ولا تخبطت في متاهات التبعية العمياء للإلحاد والفكر الجاهلي سواء كان شرقياً أم غربياً على حد سواء.
وحين اقتصر المسلمون الأوائل على الوحيين العزيزين خرج منهم جيل فريد ليس له مثال لا سابق ولا لاحق، جيل اعتز بانتمائه لدينه الخالص، ففتح الدنيا ومزق ظلام الكفر والشرك وصدع باسم الله في الأرض من مشارف فرنسا غرباً إلى حدود الصين شرقاً.
ولعل من المناسب هنا أن نتحدث - ولو قليلاً - عن طريقة القرآن والسنة في عرض العقيدة بصفة عامة وجناية علم الكلام على المسلمين لنقف من خلال هذه النبذة على مدى الهوة بين صفاء النبع العقدي الرباني وبين جهالات علم الكلام.
لقد أدرك سلف هذه الأمة رحمهم الله أن كتاب الله العزيز هو: كتاب هداية وليس كتاب فلسفة ونظريات فارغة لا تمس الواقع. وأيقن ذلك الجيل أن الله هو خالق النفس البشرية وأنه هو العليم وحده بما يصلحها، فلما أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم كان هو النور الهادي للنفوس، ومصدر كل خير لها، وهو أيضاً النذير لها من كل ما يورد موارد الهلاك والخسران. وميزة الخطاب القرآني: أنه يخاطب (الإنسان) كوحدة متصلة فيها الروح والجسد وفيها العقل والعاطفة، وفيها حب
(١) مسند أحمد (ج٤/١٢٦) وجامع بيان العلم لابن عبد البر ٢/٢٢٢ وسنن ابن ماجة: المقدمة (ج١/١٦ ح٤٣) وفي سنده عبد الرحمن بن عمرو السلمي لم يوثقه غير ابن حبان. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب ١/٤٦ عن أبي عاصم في كتاب السنة وقال إسناده حسن. انظر جامع الأصول (ج١/٢٩٣) (حاشية) .