في النص المتقدم بعض العبارات التي قد توهم بعض الناس في قضية (الحاكمية) حيث ذكر ابن القيم أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر. وهنا لابد من إيضاح هذه القضية حتى يزول ما قد يحصل من إشكال.
إن المجتمع الإسلامي منذ قيامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام على الحكم بشريعة الله، ومضى على ذلك خلفاؤه الراشدون، ثم الخلفاء الأمويون مضوا على ذلك وإن كان بدر منهم بعض الانحرافات، إلا أن الحكم الذي يتحاكمون إليه الناس هو شرع الله، يظلهم برايته ويرعاهم بحكمته وعدالته. ثم جاءت الدولة العباسية وكان الشرع أيضاً هو نظام الحكم مع وجود ثغرات قوية بعض الشيء. ثم جاء التتار، وأتى (هولاكو) بـ (لياسق) - وسيرد كلام العلماء بخصوصه في مكانه المناسب إن شاء الله -
ولما كان الأمر كذلك فإن كلام السلف ومنهم ابن القيم كلام لا غبار عليه، فإذا حكم الحاكم برشوة أو لقرابة، أو شفاعة أو ما أشبه ذلك فلا شك أن ذلك كفر دون كفر.
وأما ما جد في حياة المسلمين - ولأول مرة في تاريخهم - وهو تنحية شريعة الله عن الحكم ورميها بالرجعية والتخلف وأنها لم تعد تواكب التقدم الحضاري، والعصر المتطور فهذه ردة جديدة في حياة المسلمين. إذ الأمر لم يقتصر على تلك الدعاوى التافهة، بل تعداه إلى إقصائها فعلاً عن واقع الحياة واستبدال الذي هو أدنى بها، فحل محلها القانون الفرنسي أو الإنجليزي أو الأمريكي أو الاشتراكية الإلحادية وما أشبه ذلك من تلك النظم الجاهلية الكافرة.