للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه " فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة، وفراراً إلى الله بدينهم فكانت أول هجرة في الإسلام (١) .

ثم إن لطف الله ورحمته غمرت المؤمنين المستضعفين وذلك بإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث أعز الله به الإسلام، ولذلك قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمة، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه " (٢) إنها نعمة كبرى تجلت في إسلام عمر، الذي منح ولاءه ونصرته للمسلمين، وصير بغضه وعداوته وبراءه للكافرين، كيف لا وهو الذي اشتبك مع القوم بعد إسلامه ثم قال: " افعلوا ما بدا لكم فوالله لو أن قد كنا ثلاث مئة رجل لقد تركناها – أي مكة – لكم أو تركتموها لنا " (٣)

وسمع المؤمنون بإسلام عمر رضي الله عنه وهم في الحبشة ففرحوا بذلك ورجع منهم من رجع إلى مكة – ولكن قريشاً صبت عليهم ألواناً من العذاب والاضطهاد فلم يزدهم ذلك إلا صلابة في العود وثباتاً على الحق وأملاً في فرج من الله قريب.

ثم تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه لدرس آخر من دروس الابتلاء التي هي من سنن الدعوة إلى الله: ذلك الدرس هو موت أبي طالب عم رسول الله الذي كان مناصراً له وحامياً. وموت زوجة رسول الله خديجة رضي الله عنها أول امرأة أسلمت وكانت مثالاً للمرأة المسلمة الصالحة وهنا يطمع أعداء الله في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أكبر من كل شيء ثم رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يتجه إلى غير قريش عسى أن يجد مجيباً وناصراً فخرج إلى الطائف، ولكن ثقيفاً خيبت أمله وآذته وسخرت منه، فاتجه إلى ربه قائلاً (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة


(١) السيرة لابن هشام (١/٣٤٤) .
(٢) السيرة لابن هشام (١/٣٦٧) وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر " مناقب عمر (٧/٤١ ح ٣٦٨٤) .
(٣) السيرة لابن هشام (١/٣٧٤) .

<<  <   >  >>