للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحبه الأمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وبقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث نام تلك الليلة في فراش المصطفى صلى الله عليه وسلم. وينتهي الأمر بخسارة وذلة (الملأ) من قريش (١) .

ووصل المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى دار الهجرة، دار النصرة والمنعة، حيث وجد "أنصار الله" فكانت هذه الهجرة نصراً للمؤمنين المهاجرين الذين وجدوا من يؤويهم وينصرهم ويشاركهم الأموال والمساكن وحتى الأزواج!! وكانت نصراً أيضاً للأنصار حيث قُضي على الأحن والأحقاد الجاهلية بين أوسهم وخزرجهم، وعلى كيد اليهود الذين كانوا يشيعون بينهم الفرقة والفتنة.

وكان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء المسجد. لينطلق منه النداء الرباني "الله أكبر الله أكبر" وليكون هذا المسجد الطاهر هو الملتقى التربوي للأمة المسلمة يتلقون فيه وحي الله عن رسول الله، ويتعلمون أمور دينهم، وهذا المسجد هو أيضاً مكان القيادة العسكرية الإسلامية التي انطلقت في سبيل الله.

وبعد ذلك: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل:

{وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ { [سورة الأحزاب: ٦] .

رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة) (٢) .

إن هذه الإخوة الإيمانية هي الوشيجة العظمى، والرابطة الفريدة في علاقات البشر بعضهم مع بعض، فلقد أحس كل مؤمن - كما يقول الأستاذ محمد قطب -


(١) انظر السيرة النبوية لابن هشام (ج ٢/١٢٤ - ١٢٧) وزاد المعاد (٣/٥٠ - ٥١) .
(٢) زاد المعاد (٣/٦٣) .

<<  <   >  >>