للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الداعي أقوى كانت هذه الهجرة أقوى وأتم وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة حتى لا يكاد يشعر بها علماً ولا يتحرك لها إرادة (١) .

أما الهجرة التي هي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام فإليك تفصيل أحكامها:

قال الخطابي: (٢) كانت الهجرة في أول الإسلام مندوباً إليها غير مفروضة وذلك في قوله تعالى:

{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً { [سورة النساء: ١٠٠] .

فقد نزلت حين اشتد أذى المشركين على المسلمين عند انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدنية. ثم أمروا بالانتقال إلى حضرته ليكونوا معه، فيتعاونوا ويتظاهروا إن حزبهم أمر، وليتعلموا منه أمر دينهم، ويتفهموا فيه. وكان أعظم الخوف في ذلك الزمان من قريش وهم أهل مكة، فلما فتحت مكة ونخعت بالطاعة زال ذلك المعنى وارتفع وجوب الهجرة وعاد الأمر فيها إلى الندب والاستحباب فهما هجرتان: فالمنقطعة منهما هي الفرض، والباقية هي الندب. وبهذا يظهر الجمع بين حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) (٣) . وبين حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة (لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا) (٤) على أن بين الإسنادين ما بينهما فإسناد حديث ابن عباس متصل


(١) الرسالة التبوكية لابن القيم (١٤-١٨) الطبعة الثانية سنة ١٣٩٤ هـ المطبعة السلفية بمصر.
(٢) هو الإمام حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب من ولد زيد بن الخطاب. يكنى أبا سليمان.
كان محدثاً فقيهاً وأديباً شاعراً لغوياً ومن تلاميذه الحاكم النيسابوري. ولد سنة ٣١٩ هـ في بلدة بست من بلاد كابل وتوفي فيها سنة ٣٨٨ هـ انظر مقدمة معالم السنن المطبوع مع سنن أبي داود (١/١١) والأعلام للزركلي (٢/٢٧٣) الطبعة الرابعة.
(٣) سبق تخريجه في أول هذا الفصل.
(٤) صحيح البخاري كتاب الجهاد باب وجوب النفير (٦/٣٧ ح ٢٨٢٥) .

<<  <   >  >>