للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما اصبح على غلس [١] بالصلاة، وزحف بجموعه نحو القوم على التعبئة الاولى، ودفع الراية الى ابنه عبد الله بن هاشم بن عتبة، وتزاحف الفريقان فاقتتلوا. فروى عن القعقاع الظفري انه قال: لقد سمعت في ذلك اليوم من أصوات السيوف ما الرعد القاصف دونه وعلى رضى الله عنه واقف ينظر الى ذلك، ويقول: لا حول ولا قوه الا بالله، والله المستعان، رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ.

ثم حمل على بنفسه على اهل الشام حتى غاب فيهم، فانصرف مخضبا بالدماء، فلم يزالوا كذلك يومهم كله والليل حتى مضى ثلثه، وجرح على خمس جراحات، ثلاث في راسه واثنتان في وجهه، ثم تفرقوا وغدوا على مصافهم، وعمرو بن العاص يقدم اهل الشام، فحمل عبد الله بن جعفر ذو الجناحين في قريش والانصار في وجه عمرو فاقتتلوا، وحمل غلامان اخوان من الانصار على جموع اهل الشام حتى انتهيا الى سرادق معاويه، فقتلا على باب السرادق، ودارت رحى الحرب الى ان ذهب ثلث الليل، ثم تحاجزوا، ولما اصبح الناس اختلط بعضهم ببعض، يستخرجون قتلاهم، فيدفنونهم.

وكتب معاويه الى على: اما بعد، فانى انما اقاتلك على دم عثمان، ولم أر المداهنه في امره واسلام حقه، فان ادرك بثارى فيه فذاك، والا فالموت على الحق اجمل من الحياه على الضيم، وانما مثلي ومثل عثمان، كما قال المخارق:

فمهما تسل عن نصرتي السيد لا تجد ... لدى الحرب بيت السيد عندي مذمما

فكتب اليه على: اما بعد، فانى عارض عليك ما عرض مخارق على بنى فالج، حيث قال:


[١] الغلس: ظلمه آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح، والمراد انه صلى الصبح في أول وقته.

<<  <   >  >>